للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النفس معناه الأصلي النفس، وهكذا، بحيث "لا يوجد في العقل شيء إلا وقد سبق وجوده في الحس" "م ٢ ف ٢ ". وإن لوك لعلى حق في قوله هذا، وليس في وسع الغريزيين أن يدلونا على معنى واحد من معاني المجردات والروحيات مطابق لموضوعه, ومسمى رأسًا من موضوعه. وإذا أضفنا إلى هذه العبارة المشهورة ما أضافه ليبنتز بقوله: "إلا العقل نفسه" أصبنا الحقيقة الكاملة في المعرفة الإنسانية, ولكن لوك لا يقبل هذه الإضافة, ويزعم أن المعرفة كلها تفسر بالحس وحده على النحو الآتي:

د- معانينا طائفتان: معانٍ بسيطة مكتسبة بالتجربتين الظاهرة والباطنة، ومعانٍ مركبة ترجع إلى التفكير, أما المعاني البسيطة فطوائف ثلاث: أولاها المعاني المحسوسة بالحواس الظاهرة، مثل قولنا: بارد صلب أملس خشن مر امتداد شكل حركة؛ والطائفة الثانية المعاني المدركة باطنًا، وهي التي ترجع إلى الذاكرة والانتباه والإرادة؛ والطائفة الثالثة المعاني المحسوسة والمعاني المدركة باطنًا معًا، مثل معاني الوجود والوحدة والدوام والعدد واللذة والألم والقدرة "م ٢ ف ٧ ". اللذة والألم يصاحبان جميع معانينا الظاهرة والباطنة تقريبًا؛ والوجود والوحدة معنيان يمكن أن يثيرهما فينا كل إحساس خارجي وكل فكرة نفسية؛ والدوام معنى ينشأ من ملاحظة الزمن الذي يقضي بين معانينا في تعاقبها؛ وينشأ معنى العدد من تكرار الوحدة؛ ونشعر بالقدرة حين نفعل، وما الفعل الحر إلا الفعل نفسه، فإذا لم نقدر على الفعل لم نكن أحرارًا، إذ لا معنى للاعتقاد بالقدرة دون الفعل، وما اعتقادنا بالحرية إلا اعتقاد بإمكان تكرار فعل سابق لمجرد كون هذا الفعل قد سبق. وهكذا تفسر جميع المعاني التي من هذا القبيل، فإن النفس في إدراكها منفعلة تسجل الواقع.

هـ- أما المعاني المركبة فالنفس فيها فاعلة؛ إذ إنها هي التي تصنعها. وهذه المعاني طائفتان: طائفة تؤلف فيها النفس المعاني البسيطة في معنى شيء واحد، مثل معنى الذهب أو معنى الإنسان، وطائفة تؤلف فيها النفس المعاني البسيطة بحيث تمثل مع ذلك أشياء متمايزة، مثل معاني الإضافة بالإجمال، كمعنى البنوة يجمع بين معنى الابن ومعنى الأب؛ وكمعنى العلة يجمع بين معنى شيء موجد ومعنى شيء موجد منه، والأصل في هذا أن تعاقب الظواهر يخلق بينها علاقات

<<  <   >  >>