في الذهن تحملنا على اعتقاد أنه إذا وضعت ظواهر معينة وقعت ظواهر معينة، ولكن هذا الاعتقاد ذاتي بحت، وليس للعلية من معنى سوى هذا التوقع الذتي، وكمعنى اللامتناهي، سواء أضيف لله أو للزمان أو للمكان، فقد ظنه ديكارت بسيطًا وهو مركب مكتسب بإضافة الكمية المحدودة المعلومة بالتجربة إلى مثلها وهكذا إلى غير نهاية؛ وكمعنى التشابه، ومعنى التغاير ... إلخ "م ٢ ف ١٢ ". والطائفة الأولى تنقسم بدورها إلى قسمين: قسم يشمل معاني الأعراض, وهي معاني الأشياء لا تتقوم بأنفسها, كالمثلث أو العدد, وقسم يشمل معاني الجوهر، وهي معاني أشياء تتقوم بأنفسها، كالإنسان. وتنقسم الأعراض إلى أعراض بسيطة، وهي المركبة من معنى بسيط واحد مع نفسه، كالعدد المركب من تكرار الوحدة، والمكان والزمان المركبين من أجزاء متجانسة؛ وإلى أعراض مختلطة، وهي المركبة من معان بسيطة متنوعة, مثل معنى الجمال المركب من لون وشكل يحدثان سرورًا في الرائى، ومعاني القتل والواجب والصداقة والكذب والرياء.
ووللتركيب ثلاث طرائق: المضاهاة والجمع والتجريد. أما المضاهاة فتكون المعاني المندرجة تحت اسم الإضافة, وأما الجمع فهو التأليف بين المعاني البسيطة, وأخيرًا التجريد وهو الانتباه إلى الخصائص المشتركة بين الجزئيات وفصلها عن الخصائص الذاتية لكل جزئي، فنحصل على معانٍ كلية ندل على كل منها بلفظ واحد يغنينا عن ألفاظ لا تحصى للدلالة على كل جزئي، كما يغنينا عن حفظ صور الجزئيات وهي لا تحصى كذلك "م ٣ ف ٦ و ٧ ". فالمعنى الكلي معنى ناقص يحتوي على بعض خصائص الشيء دون بعض، وكلما كان أكثر كلية كان أكثر نقصًا. فمعنى الجنس جزء من معنى النوع، ومعنى النوع جزء من معنى الفرد, فالمعنى الكلي من صنع الفكر لا يقابله في الخارج "صورة" ثابتة كما يظن المدرسيون "م ٣ ف ١١ ". أجل, إن الطبيعة تحدث أشياء متشابهة، والفكر يكون معانيه الكلية بمناسبة المشابهات، ولكن المعاني الكلية خلاصات لما نعرف من كيفيات الأشياء، فكلما تغيرت المعرفة تغيرت الأنواع "م ٣ ف ٦ " والأشياء خاضعة للتغير، فكلما تغيرت الأنواع تغيرت المعرفة.