للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي التي تفكر بوساطة الدماغ؛ وما أهمية هذا التمييز ولم نخرج من دائرة المادة؟ ويرى هارتلي أن تأثير الدماغ في الفكر هو من الوضوح بحيث يدل دلالة قاطعة على أن الفرق بين المادة والفكر فرق بالدرجة لا بالطبيعة، وأنهما لو كانا متباينين، لما أمكن أن يتفاعلا. ويفسر الإحساس بأنه حركة المادة العصبية، أو اهتزاز أثيري من العضو إلى المركز المخي بوساطة الأعصاب الحاسة ويفسر الفكر بأنه حركة نفسية مقابلة للحركة العصبية، وإذا ما تكرر الاهتزاز الأثيري ترك أثرًا هو المعنى. وتقوم حياتنا الفكرية في تداعي المعاني، ويقوم هذا التداعي في ترابط الحركات العصبية أو الاهتزازات الأثيرية، ويرجع إلى قانوني التعاقب والتقارن فحسب، وليس التداعي بالتشابه قانونًا أصيلًا. وتفسر العواطف العليا بتداعي العواطف الدنيا, مثال ذلك: محبة الله، فإنها تنشأ جزئيا من دواعٍ أنانية، ولكن لما كان الله يعتبر علة الأشياء جميعا فإن تداعيات لا تحصى تجتمع في فكرة الله فتعظمها حتى تمحى بإزائها سائر الأفكار. فهذه النظرية تجعل من هارتلي أحد مؤسسي مذهب التداعي.

٦٦ - جوزيف بريستلي " ١٧٣٣ - ١٨٠٤ ":

أ- هو مكتشف غاز الأكسجين، وكان لاهوتيًّا مؤمنًا بالله وبالمسيحية ولو أنه عارض عقيدة الثالوث، ومع ذلك انحاز إلى نظرية هارتلي, ولم يكن هذا الجمع بين الإيمان وبين المادية شاذا عند الماديين الإنجليز. وقد حشد بريستلي في كتابه "بحوث في المادة والروح" " ١٧٧٧ " أدلة الماديين المتقدمين والمتأخرين، وأضاف إليها أخرى من عنده، نذكر أهمها فيما يلي:

ب- يقول: ١ - لو كانت النفس بسيطة لما كانت في الجسم الممتد في المكان. ٢ - إن نمو النفس مساوق لنمو الجسم تمام المساوقة، فهي تابعة له. ٣ - ليس لدينا معنى واحد إلا وقد جاء عن طريق الإحساس أي: عن طريق الجسم. ٤ - إن معاني الماديات كمعنى شجرة تنحل إلى أجزاء كالماديات أنفسها، فكيف يمكن أن توجد هذه المعاني في نفس غير منقسمة؟ ٥ - ما فائدة النفس من الجسم, ولم توجد فيه إذا كانت تستطيع أن تحس وتعقل, وتعمل مستقلة عنه؟

<<  <   >  >>