في حياته، فنشرت بعد وفاته بثلاث سنين؛ ولكنه نشر " ١٧٥٧ " كتابًا أسماه "التاريخ الطبيعي للدين".
ب- وبعد ذلك شغل منصب كاتب السفارة البريطانية بباريس " ١٧٦٣ - ١٧٦٥ " فكان موضع حفاوة الأوساط الفلسفية والأدبية. وعاد إلى وطنه " ١٧٦٦ " وبصحبته روسو الذي كان يطلب ملجأ في إنجلترا، وأنزله ضيفًا في بيت له. ثم عين وزيرًا لأسكتلندا " ١٧٦٨ " ولكنه اعتزل الوزارة في السنة التالية، وأقام بمدينة أدنبرة مسقط رأسه، وتوفي بها.
٧٥ - تحليل المعرفة:
أ- يدور تفكير هيوم على تحليل المعرفة كما تبدو للوجدان خالصة من كل إضافة عقلية، وفقًا للمبدأ الحسي، وعلى تقدير قيمة المعرفة تبعًا لهذا التحليل ومن جهة صلاحيتها لإدراك الوجود مع العلم "بأن شيئًا لا يحضر في الذهن إلا أن يكون صورة أو إدراكًا" على ما يقضي به المبدأ التصوري. فمذهبه يرجع إلى نقطتين: حسية وتصورية، كمذهب لوك ومذهب باركلي، إلا أنه أدق تطبيقًا للمبدأين وأكثر جرأة في مواجهة نتائجهما الشكية، حتى أعلن الشك صراحة.
ب- المعرفة في جملتها مجموع إدراكات perceptions أي: أفكار بلغة ديكارت, أو معانٍ بلغة لوك وباركلي. والإدراكات منها انفعالات impressions ومنها أفكار أو معان thoughts or ideas ومنها علاقات relations بين المعاني بعضها والبعض، وبينها وبين الانفعالات. فالانفعالات هي الظواهر الوجدانية الأولية، أو هي إدراكاتنا القوية البارزة، مثل انفعالات الحواس الظاهرة، واللذة والألم و"انفعالات التفكير" التي تحدث تبعًا للذة والألم، كالمحبة والكراهية، والرجاء والخوف. والمعاني صور الانفعالات؛ لذا كانت أضعف منها. والقاعدة فيما يخصها هي أن ليس من قيمة إلا أن يكون صورة انفعال أو جملة انفعالات؛ فإذا لم يكن كذلك كان مركبًا صناعيًّا يجب الفحص عن أصله ويجب تبديده. ومن هذا القبيل المعاني المجردة، وهيوم يرفضها رفضًا باتًّا ويصطنع الاسمية مثل باركلي، فيتحدث نفس حديثه ويسوق نفس الأمثلة.