وهذا ما وصل إليه هيوم في تحليل المعرفة ونقد العلوم. وأول ما يسترعي النظر قصره وظيفة الذهن على القبول، وتفسير محتوياته تفسيرًا آليًّا بقوة الانفعالات وضعفها وفعل قوانين التداعي. على أنه يعترف بأنه إذا كان التمييز بين الانفعالات والمعاني ميسورًا عادة, فقد يحدث أن تكون المعاني قوية والانفعالات ضعيفة، كما يشاهد في حالة التخييل وبعض الأمراض النفسية وحينئذ فإما ألا يبقى لنا سبيل للتمييز بين الحقيقة والخيال، أو أن يقوم الذهن بهذا التمييز بناء على علامات مكتسبة من التجربة، فيبين عن فاعليته. وهيوم يعترف أيضًا بأنه قد يحدث أن نحصل على معنى دون انفعال مقابل، كما إذا افترضنا عدة ألوان متضائلة بالتدريج، وافتقدنا لونًا من بينها، فإننا نحس هذه الثغرة ونحصل على معنى هذا اللون ولو لم نره قط، ثم إن طائفتي الانفعالات والمعاني تختلف ليس فقط بالقوة بل بالطبيعة أيضًا؛ ذلك بأن معنى لذة ماضية أو ألم ماضٍ لا يشبه تلك اللذة أو ذلك الألم كما تشبه الصورة الأصل، أو ليس المعنى من نوع اللذة أو من نوع الألم في الوجدان، ولكنه تذكر أو تصور اللذة أو الألم، أي: إن اللذة أو الألم موضوع المعنى. فالمعنى فعل مخصوص يقتضي قوة مخصوصة. ولا بد من الاعتراف أيضًا بقوة مخصوصة تدرك التشابه والتقارن اللذين يجعل هيوم منهما قانوني الفكر، إذ ليس هناك انفعالان يقابلانهما ويعتبران أصلا لهما. كذلك لا بد من القول بقوة مخصوصة لتفسير الاسم الكلي، إذ كيف يطلق على كثيرين إذا لم يكن فينا قوة تنتقل من جزئي إلى آخر؟ ولم يطلق على كثيرين إلا إذا كانوا يتفقون في النوع أو في "بعض النقط" كما يقول هيوم؟ إذا كان هناك نوع، ولو مؤقت على رأي لوك، كانت له خصائص متضامنة تؤلف ماهية معقولة. وأخيرًا ليست الاعتراضات التي يوجهها هيوم إلى مبدأ العلية حاسمة, فإذا سلمنا له أن الإدراك الظاهري لا يظهرنا على القوة التي تفعل، وإذا سلمنا جدلا أن الإدراك الباطني لا يظهرنا على علاقة ضرورية تربط حركات الأعضاء بأمر الإرادة، فإننا ندعي أن العقل يدرك هذه العلاقة وضرورتها. أجل, إن معنى العلة ومعنى المعلول متغايران، ولكن المعلول موجود يظهر للوجود، وبهذا الاعتبار هو لا يظهر بنفسه ولا بفعل العدم، وإنما يظهر بفعل موجود آخر هو علته. وإذا