المطلوب، أعني: استحالة استبعاد البحث عن العلة. يجب البرهنة على ضرورة العلة قبل الاحتجاج ببطلان وضع هذه العلة في الشيء الذي يظهر للوجود أو في العدم. وعلى هذا فمبدأ العلية لا يلزم من مبدأ عدم التناقض، ولا تناقض في تصور بداية شيء دون رده إلى علة. إن معنى العلة معنى البداية، وليس متضمنًا فيه، ومن الممكن للمخيلة أن تفصل بين معنى العلة ومعنى ابتداء الوجود. ثم إن معنى العلة ومعنى المعلول متغايران، ويستحيل علينا أن نعلم مبدئيا معنى المعلول من معنى العلة:"إن آدم، قبل الخطيئة، مهما افترضنا لعقله من كمال، ما كان يستطيع أبدًا أن يستنتج مبدئيا من ليونة الماء وشفافيته أنه يخنقه ويستحيل على العقل، مهما دقت ملاحظته، أن يجد المعلول في العلة المفترضة؛ لأن المعلول مختلف بالكلية عن العلة، فلا يمكن استكشافه فيها". بل إن الاستدلال لا يخولنا الحق في توقع نفس المعلولات بعد نفس العلل، إذ ليس في وسع العقل أن يبرهن على "أن الحالات غير الواقعة في تجربتنا يجب أن تشابه الحالات التي جربناها" كما أنه ليس في وسع التجربة أن تبرهن على وجوب التشابه بين المستقبل والماضي، من حيث إن التجربة نفسها قائمة على هذا الافتراض. وكل ما هنالك "أن العلة شيء كثر بعده تكرار شيء آخر, حتى إن حضور الأول يجعلنا دائمًا نفكر في الثاني". وعلى ذلك تعود علاقة العلية إلى علاقتي التشابه والتقارن، فهاتان العلاقتان هما الأصليتان، وعلاقة العلية مجرد عادة فكرية من نوعهما، وما يزعم لها من ضرورة ناشئ من أن العادة تجعل الفكر غير قادر على عدم تصور اللاحق وتوقعه إذا ما تصور السابق. والنتيجة أن ليس يوجد حقائق ضرورية ومبادئ بمعنى الكلمة, وأن العلوم الطبيعية نسبية ترجع إلى تصديقات ذاتية يولدها تكرار التجربة.
هـ- وأما العلاقات التي بين المعاني, فتتجلى في الرياضيات. ويميز هيوم بين الحساب والجبر من ناحية والهندسة من ناحية أخرى. فيقول: إن الحساب والجبر علمان مضبوطان يقينيان؛ لأنهما قائمان على معنى الوحدة، وهو معنى ثابت يسمح بتأليف مقادير والمعادلة بينها بما يطابق الواقع، في حين أن الوحدات المكانية في الهندسة "كالخط والسطح" ليس لها في الواقع مثل ذلك الثبات، وإنما هي مقاربة له، وليس يستنبط منها من نتائج سوى الاحتمال القوي.