للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذهن لا يجد في نفسه سوى إدراكات، فلا يستطيع أن يتحقق من ارتباط هذه الإدراكات بأشياء لا يبلغ إليها. وهل هناك شيء أكثر استعصاء على التفسير من النحو الذي قد يؤثر به جسم في روح بحيث يحدث صورة في جوهر مفروض فيه أنه من طبيعة جد مغايرة بل معارضة؟ " ١. ولما كان مبدأ العلية نسبيًّا فلا نستطيع الاعتماد عليه للتدليل على وجود علل لانفعالاتنا؛ وإذا كنا نعتقد أن في الخارج أشياء مستقلة عن إدراكنا، وأننا في كل صباح نرى الشمس عينها التي سبق لنا رؤيتها، فهذا وهم سببه افتراضنا أن الإدراكات المتشابهة هي هي بعينها. واعتقادنا بوجود الأشياء شعور يصاحب الانفعال ولا يصاحب الخيال؛ هذا الشعور تصور للشيء أقوى وأدوم من تصور الخيال! وهو لا يتعلق بإرادتنا، ولكن طبيعتنا تثيره فينا. ونحن نجهل القوى التي يتعلق بها التعاقب المطرد للظواهر، ونجهل السبب الذي يجعلنا نتوقع نفس اللاحق بعد نفس السابق ٢.

ج- كذلك ليس لدينا انفعال مقابل للنفس أو للجوهر بالإجمال. إن الاعتقاد بالجوهر تابع للاعتقاد بالعلية؛ فإننا نرى جملة من الكيفيات مؤتلفة ونتعلم من التجربة أن هذا المجموع يتكرر، فنتوهم الجوهر كعلة ائتلاف الكيفيات، وعلة بقاء هذا الائتلاف أو تكراره في ذهننا. فما النفس إلا جملة الظواهر الباطنة وعلاقاتها؛ ولا يمكن إثبات الأنا بالشعور، فإني "حين أنفذ إلى صميم ما أسميه أنا أقع دائمًا على إدراك جزئي" أي: على ظاهرة. بيد أن هيوم يعود فيقر ٣ بأنه لا يدري كيف تتحد في الذهن الإدراكات المتعاقبة، أي: كيف تفسر الذاكرة وانفعالاتنا ظواهر منفصلة، وينتهي بالتصريح بأن هذه المسألة عسيرة جدا على عقله!

د- وينقد هيوم الأدلة على وجود الله، فيقول: إن دليل الغائية المشهور قائم على تمثيل الكون بآلة صناعية وتمثيل الله بالصانع الإنساني، ولكن الصانع الإنساني علة محدودة تعمل في جزء محدود، فبأي حق نمد التشبيه إلى هذا الكل


١ كتاب "فحص عن الفهم الإنساني" القسم الثاني عشر, ف ١.
٢ الكتاب المذكور, القسم الخامس.
٣ في ملحق كتاب الطبيعة الإنسانية.

<<  <   >  >>