للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العظيم الذي هو الكون، ونحن لا ندري إن كان متجانسًا في جميع أنحائه؟ ولو سلمنا بهذه المماثلة لما انتهينا حتمًا إلى الإله الذي يقصده أصحاب الدليل، إذ يمكن أن نستدل بما في الكون من نقص على أن الإله متناهٍ كالصانع الإنساني، وأنه ناقص يصادف مقاومة، أو أنه جسمي وأنه يعمل بيديه, أو يمكن أن نفترض أن الكون نتيجة تعاون جماعة من الآلهة. وإذا شبهنا الكون بالجسم الحي، أمكن تصور الله نفسًا كلية، أو قوة نامية كالقوة التي تحدث النظام في النبات دون قصد ولا شعور. أما دليل المحرك الأول, فليس هناك ما يحتم تسليمه ونبذ المذهب المادي، إذ قد يمكن أن تبدأ الحركة بالثقل أو بالكهرباء مثلا دون فاعل مريد. وأما دليل الموجود الضروري، فلا يستند إلى أصل في تجربتنا من حيث إن التجربة لا تعرض علينا انفعالًا ضروريًّا، وإن المخيلة تستطيع دائما أن تسلب الوجود عن أي موجود كان. إن معنى الموجود الضروري ثمرة وهم المخيلة التي تمد موضوع تجاربنا إلى غير نهاية، فلم لا نمد المادة نفسها إلى غير نهاية فنعتبرها الله؟ وبأي حق نفترض الكون كلا محدودا حتى نبحث له عن علة مفارقة؟ وأخيرًا, إن وجود الشر يعارض القول بعناية الإلهية, وليس وجود الشر محتومًا كما يقولون؛ إذ من الميسور جدا تصور عالم بريء من أسباب الشر التي نشاهدها في عالمنا.

هـ- بمثل هذه السفسطة يتذرع هيوم لإقصاء الحقائق والجواهر من الفلسفة, بعد أن سلم بالمبدأ الحسي وذهب إلى نتيجته المنطقية فبلغ إلى "الظاهرية" المطلقة التي ترد المعرفة إلى ظواهر لا يربط بينها سوى علاقات تجريبية, وهذه الظاهرية هي الصورة التي يتخذها الشك في العصر الحديث. وقد كان هيوم معجبًا بقدماء الشكاك، وكان ينعت نفسه بالشاك, ويرى أن الفلسفة هي هذا الشك، وأن الحياة العملية يكفي فيها وحي الغريزة، فلا صلة بين الحياة والفلسفة، حتى لقد قال: "ما من طريقة استدلالية أكثر شيوعًا، ومع ذلك ما من طريقة أجدر باللوم، من إدحاض فرض ما بعواقبه الخطرة على الدين والأخلاق. إن الرأي الذي يؤدي إلى خلف هو رأي كاذب من غير شك؛ ولكن ليس من المحقق أن الرأي كاذب لكونه يستتبع عاقبة خطرة".

وفإذا بحث في الأخلاق نقد المذهب العقلي, وأسلم نفسه لوحي القلب

<<  <   >  >>