بالذهاب إلى فلورنسا، فأجابه البابا إلى طلبه. فعاش هناك "سجينًا بالشرف" فكان يواصل بحوثه الرياضية، ويستقبل من يقصد إليه من العلماء والكبراء. وفي سنة ١٦٣٨ نشر كتابًا بعنوان "مقالات في علمين جديدين" يحوي أصول العلم الحديث في الميكانيكا والطبيعة، ولكنه طبع في هولندا هربًا من المراقبة قبل الطبع. وفي أوائل تلك السنة فقد جليليو بصره, وكانت وفاته بالحمى؛ وفي أثناء مرضه أبدى عواطف تقوى حارة، وأرسل إليه البابا بركته.
هـ- والحق أن "المجمع المقدس" أخطأ في الحكم بأن مذهب كوبرنك باطل منافٍ للكتب المقدسة. ولكن هذا لا ينال من الكنيسة بالقدر الذي يزعم الكثيرون؛ ذلك بأن الكنيسة تعلم أن عصمتها في العقائد والأخلاق قائمة في المجمع الكنسي العام، أي: الممثل للكثلكة جمعاء، متحدًا مع البابا وفي البابا نفسه, ناطقًا باسم الكنيسة وفارضًا نطقه صراحة على جميع المؤمنين. والحكم هنا صادر عن هيئة خاصة؛ وهذه الهيئة إن كانت أنكرت النظرية الجديدة، فهي لم تمانع في إذاعتها كمجرد فرض علمي. فلم يكن رائدها التعصب ضد العلم، بل صيانة الكتب المقدسة لصيانة الدين والأخلاق، وكل ما يمكن أن يقال هو أن غيرة رجالها على الدين أربت على فطنتهم, ولكن يجب أن نذكر أن النظرية القديمة كان يؤيدها البروتستانت أيضًا، وقد مر بنا موقف لاهوتييهم من كبلر؛ كما كان يؤيدها جميع الأرسطوطاليين من مؤمنين وملحدين. ثم إن أدلة جليليو لم تكن برهانية، وهذه نقطة جديرة بالتنويه، فكان خصوم نظريته يناقشونها وينقدونها، وقد قال الكردينال بلارمينو، في رسالة ترجع إلى سنة ١٦١٥ موجهة إلى أحد الرهبان المناصرين لمذهب كوبرنك:"لو كان هناك برهان حق على دوران الأرض وثبات الشمس، إذن لتعين الحذر الشديد في تفسير آيات الكتاب المقدس، ولكان أحرى بنا أن نقول: إننا لا ندرك معناها، من أن نكذب ما قام عليه البرهان، ولكني لن أعتقد بقيام هذا البرهان قبل أن يبين لي". وهذا ما حدث بالفعل فيما بعد، إذ لم تعد الكنيسة تحرم الاعتقاد بمذهب كوبرنك، بل صارت تحمل الآيات على محمل التعبير بالظاهر، كما نقول نحن الآن: طلعت الشمس وغربت, وماذا يقول الشانئون لمن يذهب من علمائنا المعاصرين إلى أن نظرية كوبرنك مجرد فرض، وأن ميزتها على النظرية الأخرى تنحصر في