على الإحساس الظاهري، ويستغني عن "التفكير" كمصدر أصيل للمعرفة، فيدعي أن أي إحساس ظاهري يكفي لتوليد جميع القوى النفسية. ولبيان ذلك يفترض "في كتاب الإحساس" تمثالًا حيًّا داخل تمثال من رخام، ويقول: إذا كسرنا الرخام في موضع الأنف أتحنا للتمثال الحي القدرة على استخدام حاسة الشم، وهي الحاسة المعتبرة أدنى الحواس، فعند أول إحساس يوجد شيء واحد في شعور التمثال، هو رائحة وردة مثلًا، ويكون شعوره كله هذه الرائحة، أو أية رائحة أخرى تعرض له. ومتى كان له إحساس واحد ليس غير، كان هذا هو الانتباه. ولا ينقطع الإحساس بالرائحة بانقطاع التأثير، ولكنه يبقى, وبقاؤه هذا مع حدوث رائحة جديدة هو الذاكرة. وإذا وجه التمثال انتباهه إلى الإحساس الحاضر والإحساس الماضي جميعًا، كان هذا الانتباه المزدوج المقارنة أو المضاهاة. وإذا أدرك بهذه المضاهاة المشابهات والفوارق، كان الحكم الموجب والحكم السالب. وإذا تكررت المضاهاة وتكرر الحكم، كان الاستدلال. وإذا أحس التمثال إحساسًا مؤلمًا فتذكر إحساسًا لاذًّا، كان لهذه الذكرى قوة أعظم وكانت المخيلة, وتلك هي القوى العقلية. أما القوى الإرادية فتتولد من الإحساس باللذة والألم, ذلك بأنه إذا تذكر التمثال رائحة لذيذة وهو منفعل بإحساس مؤلم، كان هذا التذكر حاجة، ونشأ عنه ميل هو الاشتهاء, وإذا تسلط الاشتهاء كان الهوى. وهكذا يتولد الحب والبغض والرجاء والخوف, ومتى حصل التمثال على موضوع شهوته كان الرضا. وإذا ما ولدت فيه تجربة الرضا عادة الحكم بأنه لن يصادف عقبة في سبيل شهوته تولدت الإرادة، فما الإرادة إلا شهوة مصحوبة بفكرة أن الموضوع المشتهى هو في مقدورنا.
ب- على أن التمثال، وقد حصل على جميع قواه، لا يعلم أن العالم الخارجي موجود، بل لا يعلم أن جسمه موجود، من حيث إن إحساساته انفعالات ذاتية ليس غير. فكيف يصل إلى إدراك المقادير والمسافات؟ وكيف يدرك أن شيئًا موجودًا خارج عنه؟ هاتان مسألتان يجب التمييز بينهما، والفحص عن كل واحدة على حدة، وهما موضوع القسم الثاني والقسم الثالث من كتاب الإحساسات. فعن المسألة الأولى يقر كوندياك رأي لوك أن الأكمه الذي