للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستعيد البصر لا يميز لفوره بين كرة وبين مكعب كان يعرفهما باللمس، إذ إن اللمس هو الذي يدرك الأشكال أولًا، ويدركها البصر بفضل علاقاته باللمس، ثم لا تعود به حاجة إلى تذكر الإحساسات اللمسية التي كانت مساعدة له، خلافًا لما يذهب إليه باركلي. وعن المسألة الثانية قال كوندياك في الطبعة الأولى لكتاب الإحساسات: إن معرفة "الخارجية" ترجع إلى تقارن الإحساسات اللمسية، مثل أن يحس التمثال في آن واحد حرارة في إحدى الذراعين وبرودة في الأخرى وألمًا في الرأس. وعاد فقال في الطبعة الثانية " ١٧٧٨ ": إن إحساسات لمسية بمثل هذا الغموض يمكن أن تتقارن دون أن تتخارج، وإن فكرة الخارجية تنشأ من المقاومة التي نصادفها في حركتنا, وبذلك نضيف جسمنا إلى أنفسنا ونميز بينه وبين سائر الأجسام. ولما كان اللمس يدرك القرب والبعد، فإن اختلاف إحساسات الروائح والأصوات والألوان في القوة يوحي إلى التمثال بأن هذه الإحساسات ليست مجرد أحوال باطنة، ولكنها صادرة عن أشياء خارجية؛ وبذلك نرجع أحكام الخارجية إلى إحساسات ليس غير.

ج- وللتمثال المقصور على الشم -كما تقدم- القدرة على تجريد المعاني وتعميمها؛ فإنه إذ يميز بين الحالات التي يمر بها يحصل على معنى العدد؛ وإذ يعلم أنه يستطيع ألا يبقي الرائحة التي هو إياها وأن يعود ما كان، يحصل على معنى الممكن؛ وإذ يدرك تعاقب الإحساسات يحصل على معنى الزمان؛ وإذ يتذكر جملة الإحساسات التي ينفعل بها يحصل على معنى الشخصية, وأما المعنى الكلي فهو جزء من المعنى الجزئي، ولا حقيقة له إلا في الذهن، وما هذه الحقيقة إلا لفظ أو اسم. ليس في الطبيعة ماهيات وأنواع وأجناس، وإنما تعبر الألفاظ الكلية عن وجهات نظر الذهن حين يدرك ما بين الأشياء من مشابهات وفوارق. ومتى لم يكن في الطبيعة ماهيات كان الحد لغوًا ووجب الاستعاضة عنه بالتحليل: "معانينا إما بسيطة أو مركبة؛ البسيطة لا تحد ولكن التحليل يكشف لنا عن أصلها وطريقة اكتسابها. والمعاني المركبة لا تعلم إلا بالتحليل؛ لأنه هو وحده الذي يبين لنا عناصرها". ومتى لم تكن المعاني المجردة إلا ألفاظًا, لم يكن هناك سوى وسيلة واحدة لتخيلها. تلك هي إجادة وضع اللغة؛ فإنه إذا لم يكن لدينا أسماء لم يكن لدينا معانٍ مجردة، فلم يكن

<<  <   >  >>