للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لدينا معاني أجناس وأنواع، فلم نستطع الاستدلال. ففن الاستدلال يرجع كله إلى أحكام الكلام, وليس الاستدلال تأديًا من الكلي إلى الجزئي ولكنه "حساب" يتأدى من الشيء إلى الشيء نفسه بتغير الإشارات الدالة, ومثله الأعلى استدلال الجبر الذي ترجع إليه سائر أنواع الاستدلال. "وهذا معناه رد القضية إلى معادلة، وتتصل هذه المحاولة بمحاولات ريمون لول وليبنتز وأصحاب المنطق الرياضي فيما بعد".

د- وهكذا بدل أن يفسر كوندياك الأفعال بالقوى والانفعالات بالميول، يجعل الميول تصدر عن الانفعالات، ويجعل القوى عادات الأفعال، وما يسمى غريزة ثمرة التجربة الشخصية، أو عادة ولدها التفكير، أو "عادة خلت من التفكير الذي ولدها". ولما كان أفراد النوع الواحد تحس نفس الحاجة فتعمل لنفس الغاية بنفس الأعضاء، كانت للنوع نفس العادات أو الغرائز، وكانت جميع المعاني وجميع قوى النفس "إحساسات محولة".

هـ- بيد أن كوندياك لم يكن ماديًّا، فإنه إذ يعتبر الإحساس ظاهرة أصيلة, يرى في الظواهر الجسمية التي يجعلها الماديون علة له مجرد "مناسبات" لظهوره. وهو يعارض لوك معارضة صريحة في افتراضه أن مادة معينة قد تكون حاصلة على قوة التفكير، فيقول: إن المفكر يجب أن يكون واحدًا، وليس للمادة وحدة ولكنها كثرة. ويعترف للإنسان بنفس روحية عاقلة خالدة، ويضعه فوق الحيوان لأنه يميز الحق، ويحس الجمال، ويخلق الفنون والعلوم، ويدرك مبادئ الأخلاق، ويصعد إلى الله. ولكن كوندياك يذهب مذهب بعض مفكري العصر الوسيط ويقول: إن الحسية حال الإنسان بعد خطيئة آدم، وإن آدم كان قبل خطيئته يعقل بدون وساطة الحواس؛ لأن النفس الإنسانية عاقلة بذاتها، وستعود إلى التعقل في الحياة الآجلة. وهو يدلل على خلود النفس بأنها خلقية, وأنها لا تلقى في الحياة العاجلة ما يناسب أفعالها من ثواب وعقاب. ويدلل على وجود الله بدليل العلة الفاعلية، ودليل العلة الغائية. وسواء أكان مخلصًا في هذا القسم من أقواله أم لم يكن، فقد كان أثره الخاص إذاعة المذهب الحسي في وقت اشتدت فيه الحملة على الدين والفلسفة السلفية، كما سنرى فيما يلي.

<<  <   >  >>