للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا تبرهن على أن المسيحية الدين الحق. وما المتناقضات في الإنسان إلا العناصر الضرورية المركبة له، من خير وشر، ولذة وألم، وهوى وعقل. وهذا يعني أن فولتير يريد أن يمحو من نفس الإنسان آثار القلق الذي يدفع به صوب الدين، وهو يتبع في جدله منهجه المألوف فيبسط المسائل, ويهون من شأنها حتى يفوت جوهرها ولبها. وماذا يعنيه من اللب والجوهر وقد آمن مع لوك بأن العقل محدود, فكفى نفسه مئونة البحث في الميتافيزيقا بل راح يتهكم عليها بكل قول ظريف؟

د- بيد أنه كان يؤمن بالله, والدليل الأقوى عنده "على الأقل في وقت ما" هو هذا: "إذا وجد شيء منذ الأزل، وأنا موجود، ولست موجودًا بذاتي، فهناك موجود بالذات هو الله". وكثيرًا ما كان يردد دليل العلل الغائية الذي "كان يعتبره نيوتن أقوى الأدلة" "حين أرى ساعة يدل عقربها عن الزمن أستنتج أن موجودًا عاقلًا رتب لوالبها لهذه الغاية. وكذلك حين أرى لوالب الجسم الإنساني أستنتج أن موجودًا عاقلًا رتب هذه الأعضاء، وأن العينين أعطيتا للرؤية، واليدين للقبض ... إلخ". ويقول في موضع آخر شعرًا: "إن الكون يحيرني، ولا يسعني أن أعتقد أن توجد هذه الساعة ولا يكون لها صانع" وهو يبين أن العلامة على العلة الغائية الحقة المميزة لها من العلة الغائية المظنونة هي "أن يكون للشيء دائمًا نفس الأثر، وألا يكون له إلا هذا الأثر، وأن يكون مركبًا من أعضاء متعاونة على إحداث نفس المعلول". غير أنه كان يظن أن هذا الدليل لا يؤدي إلى إثبات إله لامتناهٍ خالق، بل فقط إلى إثبات موجود أكبر عقلًا وأقوى من الإنسان، ثم كان إيمانه بقوة الدليل يزداد باعتبار أن القول بضرورة العالم ينطوي على صعوبات ومتناقضات لا ينطوي على مثلها القول بوجود الله. لذا كان يعارض الماديين في تفسيرهم للكون بقوانين المادة, وتفسيرهم للأنواع الحية بالتولد الذاتي وبالتطور على ما تشاء الصدفة، وقد كان يعتبر الكون أثرًا معقولًا، ويذهب في رفض التطور إلى حد التشكك في أن تكون الأجناس البشرية أنفسها وليدة تطور أصل واحد.

هـ- والقول بالغائية يستتبع القول بالعناية، ولكنها عند فولتير عناية كلية لا تتناول الجزئيات، أي: إن تدبير الكون لا يرجع إلا للقوانين العامة التي

<<  <   >  >>