الحواس وبالأرواح الحيوانية بدون معونة النفس، وأن الذاكرة تعتمد على آثار في المخ، وأن الحيوان آلة يمكن, بل يجب أن نفسر ما نشاهده فيه من ظواهر تبدو فكرية تفسيرًا آليًّا. فقال دي لامتري: إذا كان الحيوان يحس ويدرك ويذكر ويضاهي ويحكم ويريد بفضل تركيبه المادي فحسب، فما الداعي لوضع نفس روحية في الإنسان وهو يأتي عين تلك الأفعال، ولا تختلف أفعاله عن أفعال الحيوان إلا بالدرجة؟ وهكذا يبدو لنا بوضوح أن فلسفة ديكارت الثنائية ثوب ملفق من رقعتين، يختار منهما دي لامتري الرقعة المادية، ويستغني عن نفس متمايزة من الجسم متحيزة في نقطة منه أو فيه كله, فيرد الحياة النفسية إلى الحياة الجسمية بحيث يكفي تركيب الأعضاء للإدراك، وتؤثر البيئة والغذاء والتربية في المزاج، ويؤثر المزاج في الخلق.
٨٤ - هلفسيوس " ١٧١٥ - ١٧٧١ ":
داعٍ آخر من دعاة المادية، معروف بمحاولة للانتقال من الأنانية إلى الغيرية في الأخلاق. إنه يسلم بأن الأصل طلب المنفعة الحاصة، ولكنه يقول: إن الإنسان الحقيق بهذا الاسم يجد لذته أي: منفعته, في سعادة الآخرين، فلا يطيق رؤية الشقاء، فيعمل جهده على تخفيفه أو محوه تفاديا من مشهده المؤلم. بيد أن هذا الصنف من الناس قليل, فواجب المصلحين أن يحملوا كل شخص على أن يرى منفعته الذاتية في منفعة الغير. وذاك بترتيب مكافآت وعقوبات قانونية تجعل المنفعة في رعاية الغيرية أعظم منها في رعاية الأنانية.
٨٥ - دولباك " ١٧٢٣ - ١٧٨٩ ":
ألماني عاش في باريس. اصطنع المادية المطلقة وكان له تأثير كبير. ذهب إلى أن المادة متحركة بذاتها، وأن كل شيء يفسر بالمادة والحركة, وأنهما أزليتان أبديتان, خاضعتان لقوانين ضرورية هي خصائصهما. فليس العالم متروكًا للصدفة، ولا مدبرًا بإله، وكل الأدلة على وجود الله منقوضة,
ولا غائية في الطبيعة. ليست العين مصنوعة للرؤية، ولا القدم للمشي, ولكن المشي والرؤية نتيجتان لاجتماع أجزاء المادة. ولا نفس في الإنسان، ولكن الفكر