للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معرفتنا بالموضوع. وهي نوعان: أحدهما أحكام تركيبية ذاتية، أو أحكام إحساس مثل قولي: الشمس تسطع وهذا الحجر يسخن، أو: السكر حلو "أعني: في مذاقي"، أو: أحمل جسمًا وأحس ثقلًا؛ هذه أحكام تعبر عن حالة شعورية. فقيمتها ذاتية لا تضطرني إلى اصطناعها دائمًا، ولا تضطر غيري إلى تصديقها؛ لأن الحكم هنا عبارة عن وضع نسبة بين إحساسين في الحال الراهن. والنوع الآخر أحكام موضوعية أو أحكام تجربة، وهي تعبر عن علاقة ضرورية كلية بين الموضوع والمحمول، فلها قيمة بالنسبة إليهما معتبرين في نفسهما مستقلين عن الشخص الذي يحسهما، أي: إن لها قيمة موضوعية، ولفظ "موضوعي" يعني في لغة كنط ما كان له قيمة كلية مستقلة عن الشخص بما هو شخص، مثل قولي: ضوء الشمس يسخن الحجر، أو: الجسم ثقيل, فإن قصدي هنا أن ضوء الشمس علة سخونة الحجر، وأن هذا حق ولو لم أحس هاتين الظاهرتين ولم أوقع النسبة بينهما. وجميع أحكامنا ذاتية أولًا تترجم عن شعورنا وتخضع لقانون التداعي، ثم يصير بعضها موضوعيا. والأحكام التي من هذا النوع الأخير أولية كالأحكام التحليلية مع كونها تركيبية، فإنها صادقة دائمًا بالنسبة إليَّ وإلى أي شخص آخر، ولا تتوقف على عدد التجارب ولا على حالة الشخص الذاتية؛ وهذه الأحكام هي التي تتألف منها العلوم. فالمسألة النقدية تعود إلى هذا: ما السبب في إمكان الأحكام التركيبية الأولية، مع العلم بأن الموضوع والمحمول مستفادان من التجربة، وأن التجربة جزئية متغيرة، وأننا بالرغم من هذا نعتقد بضرورة الحكم وكليته. أجل, إننا حاصلون على هذا الاعتقاد، وليس يكفي لتفسيره قول لوك وهيوم: إن الرباط بين الظواهر ذهني فحسب، وإن العادة التي تتكون بتكرار التجربة هي التي تجعلنا ننقل الضرورة الذاتية إلى ضرورة موضوعية؛ ليس يكفي هذا القول لأن شأنه، وقد كشف لنا عن أصل هذا الرباط، أن يبدد اعتقادنا بموضوعيته، وهو لا يبدده. فالمطلوب وضع نظرية جديدة في الموضوعية باعتبارها رباطًا كليًّا ضروريًّا بين محمول وموضوع متباينين مستفادين من التجربة, وكان هيوم قد قال: إن مثل هذا الرباط أمر غير معقول.

ج- لنبين قبل ذلك أن العلوم تتألف من أحكام تركيبية أولية. وليكن الحكم الآتي مثالا على أحكام الهندسة: "الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين".

<<  <   >  >>