للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمحمول هنا "وهو "أقرب مسافة"" ليس متضمنًا في الموضوع "الذي هو "الخط المستقيم"" ولكنهما متخارجان, يرجع الموضوع إلى الكيفية، فإن الاستقامة صفة للخط، ويرجع المحمول إلى الكمية والإضافة؛ ومع ذلك فالنسبة بينهما ضرورية كلية، أي: إن هذا الحكم تركيبي أولي. وليكن الحكم الآتي مثالا على أحكام الحساب: ٧ + ٥ = ١٢ , فلا فكرة ٧ ولا فكرة ٥ تتضمنان فكرة ١٢. وليكن الحكمان الآتيان مثالين على أحكام العلم الطبيعي: أحدهما أنه في جميع تغيرات العالم المادي تظل كمية المادة بدون تغير, فإن معنى المادة لا يتضمن معنى عدم تغير الكمية، والحكم الآخر أنه في كل حركة الفعل والانفعال متساويان, فليس يتضمن معنى الحركة معنى المساوة بين الفعل والانفعال.

د- كيف نحصل على مثل هذه الأحكام؟ أما الأحكام الرياضية فإن خاصيتها التركيبية آتية من تصوير حدودها في المخيلة، فإني أحصل على الخط المستقيم وعلى النقطتين بفعل الخيال، وأحصل على عدد ١٢ بإضافة الواحد خمس مرات إلى عدد ٧. وأما الأحكام الطبيعية فإن خاصيتها التركيبية آتية من كون حدودها ظواهر مدركة بالحس. أما صفة الأولية في هذين النوعين من الأحكام فآتية من كون الفكر حاصلًا على معانٍ رابطة يطبقها على الحدود. فإذا نظرنا في الأحكام الميتافيزيقية وجدنا حدودها، وهي: العالم في جملته والنفس والله، غير محسوسة ولا متخيلة كما هو معلوم، ولا معقولة كما سيتضح فيما بعد؛ فهي أحكام تركيبية أولية، ولكن التركيب فيها ظاهري فقط، هو تركيب معانٍ صِرْفة لا تعتمد على مادة في الحس أو في الخيال, فهي لذلك لا تتصف بالموضوعية ولا تستحق أن تدعى علمًا.

هـ- فالمعرفة بمعنى الكلمة تتألف من عنصرين: مادة وصورة، بحيث لا توجد المادة في الفكر بدون صورة، وبحيث لا يكون للصورة في نفسها أي معنى؛ لأن وظيفتها الاتحاد بالمادة. المادة موضوع الحدس الحسي، وليس لنا من حدس سواه؛ والصورة رابطة في الفكر تسمح بتركيب حكم كلي ضروري؛ لأنها هي أولية. هناك إذن مادة للفكر أو وجود خارجي, وكنط لا يتابع التصورية المطلقة في إنكار هذا الوجود أو التشكك فيه، وإن يكن مذهبه يمنع من القول به كما سنرى. كان بعضهم قد عزا إليه أنه تصوري مطلق بعد ظهور الطبعة الأولى

<<  <   >  >>