ووقوانا الفكرية ثلاث، أي: القوى التي ترد كثرة المادة إلى الوحدة، أو بعبارة أدق: مجموعات الصور المتجانسة؛ لأن التصورية تنكر على العقل دعوى النفاذ إلى الجوهر وقواه. القوة الأولى هي الحساسية الصورية، وهي غير الحساسية التجريبية التي تقبل من خارج مادة الإحساس، فإن هذه المادة كيفية صرفة، كاللون والصلابة والطعم والرائحة والحرارة والبرودة، ونحن ندركها في المكان والزمان، فيجب تبيان أن المكان والزمان صورتان ذاتيتان تخلعهما الحساسية الصورية على مدركات الحساسية التجريبية، فترتبها بوساطتهما في علاقات أحياز في المكان وتقارن وتعاقب في الزمان، وتجعل الرياضيات الخالصة أو البحتة ممكنة بأن توفر لها الصورة الفكرية اللازمة للضرورة والكلية. والقوة الثانية الفهم الصوري، وهو غير الفهم المنطقي الذي لا ينظر إلا إلى النسب القائمة على مبدأي الذاتية وعدم التناقض في الأحكام التحليلية، فإن هذه النسب تتناول الممكن فقط، وهناك الموجود بالفعل وله نسب خاصة به. هذه النسب يضعها الفهم الصوري بين مدركات الحساسية فيؤلف أحكامًا كلية ضرورية, فيجعل العلم الطبيعي ممكنًا. "ومن هنا يتبين سبب تقديم كنط العلم الرياضي على العلم الطبيعي، فإنه عنده يتضمن شرطي تصور الطبيعيات، وهما المكان والزمان، على حين أن أرسطو يؤخره لأنه يرى موضوعاته، وهي الأعداد والأشكال، مكتسبة بتجريدها من المحسوسات المتضمنة أصل معنيي المكان والزمان". والقوة الثالثة النطق، وهو حاصل على معانٍ ثلاثة يرد إليها جميع المعارف فيحقق الوحدة التامة في الفكر. هذه المعاني هي العالم ولنفس والله. العالم يشمل جميع الظواهر الخارجية، والنفس تشمل جميع الظواهر الداخلية، والله علة الطائفتين من الظواهر. فنقد العقل يبين أن هذه المعاني صور بحتة وظيفتها هذا التوحيد، وأنها إذا أخذت كموضوعات وجودية كانت مدعاة لأخطاء أو أغاليط لا حل لها، ومن ثمة فإن علم الميتافيزيقا ممتنع. وكتاب "نقد العقل النظري" يأخذ لفظ العقل بمعنى واسع يعادل قولنا: القوة الداركة. وينقسم إلى قسمين كبيرين: الحساسية الصورية، والمنطق الصوري، وينقسم هذا القسم الثاني إلى قسمين: التحليل الصوري وموضوعه استكشاف الصور الذاتية للفهم، والجدل الصوري وموضوعه أغاليط النطق.