للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والزمان الجزئيين عما يلابسهما من موضوعات وأعراض؟ والدليل الثالث يعني فقط أن المخيلة تتخيل دائمًا مكانًا وراء مكان وزمانًا وراء زمان، ولا يعني أنها تتخيل، أو أن العقل يتعقل، مكانًا وزمانًا غير متناهيين بالفعل، من حيث إن اللامتناهي في المكان والزمان لا يوجد إلا بالقوة. والدليل الرابع قائم على أن كنط لم يفطن إلى أن باستطاعة العقل أن يحيل المحسوس معقولا بالتجريد، ومن ثمة كليا ضروريا، وأن التجريد الذي نعنيه أكثر تحقيقًا لموضوعية العلم؛ لأنه يشتق موضوع العلم من ذات المحسوس، ونظرية كنط تجعل هذا الموضوع شيئًا مغايرًا للمحسوس وذاتيًّا صرفًا, هذه النظرية وليدة عقل اقتبل المذهب الحسي ١. ثم أخذ يعمل على تصحيحه كي يصون العلم، فلم يجد إلا أن يضيف للذات العارفة ما يتطلبه العلم ويأباه المذهب الحسي. وهذا التوفيق المصطنع بين العلم والتجربة هو العيب الأساسي في فلسفة كنط بأكملها كما سنرى.

٩٩ - التحليل الصوري: ١ - تحليل المعاني أو المقولات:

أ- قلنا: إن القسم الثاني من "نقد العقل النظري" يسمى المنطق الذاتي، وإنه ينقسم بدوره إلى تحليل وجدل. الغرض من التحليل تفسير الأحكام العلمية، أي: التركيبية الأولية, وهو ينقسم إلى قسمين: تحليل المعاني وتحليل المبادئ. أما تحليل المعاني فيدور على ثلاثة أمور: الأول الفحص عن المعاني الذاتية الرابطة بين الظواهر المعروضة في المكان والزمان ربطًا كليًّا ضروريًّا، ويسميه كنط مقولات؛ الأمر الثاني بيان أن لهذه المعاني قيمة أولية أو موضوعية بالنسبة إلى الظواهر، ويسمي كنط هذا البيان استنباط المقولات؛ والأمر الثالث بيان كيف يتم تطبيق المعاني على الظواهر، ويسمي كنط هذا البيان بالرسم الصوري. وأما تحليل المبادئ فمعناه استكشاف قوانين العلم الطبيعي الخالص التي تسمح باستعمال هذه المعاني, وسيتبين كل هذا من التلخيص الآتي.


١ اقتبل كنط المذهب الحسي إلى حد من السذاجة بعيد، فإنه يقول: إن علم الطبيعة يمكن أن يكون علمًا بمعنى الكلمة؛ لأن الثبات الضروري للعلم ممكن في المكان، على حين أن علم النفس لا يمكن أن يصير علمًا لعدم توفر الثبات في الزمان. إنه لم ير أن ثبات العلم آتٍ من ثبات الماهيات التي ينظر فيها مهما يكن حظها من الزمان والمكان.

<<  <   >  >>