من الشعور بالذات في أوقات مختلفة، وهو الشرط الصوري أو المنطقي لتصوراتنا كما سبق القول، إلى بقاء الذات هي هي، مع أن هذا التصور المنطقي قد يبقى وتتغير الذات إذا كانت الذوات المتعاقبة تتوارث حالة نفسية واحدة بعينها.
هـ- المسألة الرابعة تقوم النفس بذاتها, ومن ثمة استطاعتها البقاء بعد فناء الجسم، تدلل عليها الميتافيزيقا بهذا القياس:"الشيء المعلوم مباشرة له وجود متمايز من وجود الشيء المعلوم بالواسطة؛ والنفس تعلم ذاتها مباشرة، في حين أن الجسم لا يعلم إلا بوساطة النفس؛ وإذن فالنفس متمايزة من الجسم". هذا القياس يذهب من المعرفة إلى الوجود: أنا أعرف الأنا متمايزًا من اللاأنا، ولكن هل تعني هذه المعرفة أن الأنا مستقل حقا عن اللاأنا؟ أليس يمكن أن يكون لدى هذه المعرفة وأنا مركب من نفس وجسم؟ وهذا القياس مبني على تمايز النفس والجسم، مع أن الجسم تصور حاصل في الحساسية بتأثير علة مجهولة، وليس التصور شيئًا خارجًا عن الذات المتصورة حتى نقول بإدراك مباشر وإدراك غير مباشر. وقد تكون العلة المجهولة روحًا، وقد لا يكون هناك إلا جوهر مشترك هو جسم في صورة المكان وروح في صورة الزمان، ما دام إدراك الشيء بالذات ممتنعًا علينا. فالفلسفة النقدية تخلصنا من مسألة تمايز النفس والجسم وتفسير العلاقة بينهما, وهي مسألة غير قابلة للحل كما يشهد مذهب ديكات والمذاهب الصادرة عنه. والفلسفة النقدية تخلصنا من المادية, فما دمنا لا نستطيع البرهنة على وجود النفس وحقيقة الخلود، فإننا للسبب عينه ننكر على الماديين إمكان البرهنة على عدم وجود النفس, وعدم الخلود.
وذلك نقد كنط لعلم النفس النظري كما يوجد عند ديكارت والديكارتيين بما فيهم فولف، وكنط محق في بعض هذا النقد، مبطل في الباقي. إنه محق في قوله: إننا لا ندرك النفس مباشرة، أي: إن ليس لنا إدراك موضوعه ذات النفس، ولكن كل إدراك فهو واقع على موضوع ومصحوب بالشعور بالذات. وإنه مبطل في دعواه أن هذا الشعور لا يصلح أساسًا للتدليل على وجود النفس وماهيتها، وأن الأدلة السالفة أغاليط. إنه يميز بين الأنا الذاتي أو الصوري والأنا التجريبي، ويقول عن الأول: إنه مجرد موضوع منطقي أو مجرد حد في قضية، ويقول عن الثاني: إنه ظاهرة خاضعة للمقولات كسائر الظواهر، وإنه ليس هناك ما يبرر الخروج من