د- قضى بضع سنين في برلين يحرر عروضًا جديدة لمذهبه، ويلقي دروسًا شعبية. ونشر كتاب "مصير الإنسان"" ١٨٠٠ " ثم ثلاثة كتب هي "الخاصية الجوهرية للعالم ومظاهرها في ميدان الحقيقة" و"المنهج للوصول إلى الحياة السعيدة" و"الملامح الكبرى للعصر الحاضر"" ١٨٠٦ ". وفي برلين أعد كتابه "ظواهر الشعور" الذي لم ينشر إلا بعد وفاته، وهو أسهل عرض لما كونه في سنيه الأخيرة من آراء عامة في الفلسفة وعلم النفس. وبعد موقعة إيينا التي انتصر فيها نابليون على الجيوش البروسية، احتل الفرنسيون برلين، فرحل إلى كونجسبرج وعلم بجامعتها. ثم وقعت هذه المدينة في أيدي الفرنسيين، فقصد إلى كوبنهاجن, ولما عقد الصلح عاد إلى برلين. وشرعت بروسيا تنهض من كبوتها فكان هو أحد الرجال الممتازين الذين عملوا على بعث ألمانيا. ففي شتاء ١٨٠٧ - ١٨٠٨، والفرنسيون يحتلون برلين، ألقى خطبته المشهورة "إلى الأمة الألمانية" يقول فيها: "لقد وقفت الحرب المسلحة مؤقتًا، والمطلوب الآن الجهاد في ميدان الأخلاق والأفكار؛ يجب العمل على إيجاد جيل قوي يهدف إلى عظائم الأمور, ويضحي بنفسه في سبيلها. إن ألمانيا أنجبت لوثير وكنط وبستالوتزي، وأنتم وحدكم أيها الألمان من بين جميع الشعوب الحديثة، حاصلون على جرثومة التقدم الإنساني بأظهر ما تكون، فإذا هلكتم هلكت معكم الإنسانية جمعاء". وفي سنة ١٨٠٩ أنشئت جامعة برلين، وعين أستاذًا بها، فمديراً لها. ولما نشبت حرب الاستقلال تطوعت زوجته للتمريض فأصيبت بالحمى، وانتقلت العدوى إليه فتوفي.
١١٢ - نظرية المعرفة:
أ- كان فختي قوي الإرادة مشغوفًا بالحرية, شديد الرغبة في الامتياز والتأثير في معاصريه بالقلم واللسان. فنقل هذه النزعة إلى الفلسفة لاعتقاده أن المذهب الفلسفي ليس آلة صماء يصطنع أو ينبذ كما نشاء، ولكنه عقيدة تنبعث من صميم النفس. حتى إنه ليعلن في كتاب "المدخل الأول" أن الاختيار بين التصورية والوجودية تابع لغلبة الشعور بالاستقلال والفاعلية, أو لغلبة الشعور بالتبعية والانفعالية. فجاءت فلسفته قائمة على أن الإرادة صميم الطبيعة الإنسانية، وأن الحياة الخلقية