مقدمة على العقل النظري بمعنى أدق وأعمق مما قال كنط. إن العقل النظري يتصور الوجود خاضعًا للضرورة, وفينا حرية تريد أن تعمل، وفينا ضمير يرسم لنا نظامًا مغايرًا لنظام الطبيعة، ويوجب الجهاد لتحقيق الغايات الكبرى التي ينزع إليها، ونحن نشعر بأننا جزء من هذا النظام المثالي كلما عملنا بناء على دواعٍ عقلية فحسب، وحاجتنا الضرورية إلى العمل أساس الأمر المطلق الذي قال به كنط دون أن يفسره, فكيف نوفق بين الوجود والحرية؟ نوفق بينهما بأن نقول:"إن الطبيعة التي عليَّ أن أعمل فيها ليست شيئًا غريبًا عني, منقطع الصلة بي" وإنه إذا كان باستطاعتي أن أنفذ إلى الطبيعة "فذلك لأنها مكونة بقوانين فكري، وأنها عبارة عن علاقات بيني وبين نفسي". الحرية أولا، والحرية تريد أن تترقى، فلكي تعمل تخلق الطبيعة وموضوعاتها. وهذه هي التصورية المطلقة التي ترد الأشياء تصورات، أو هذه هي الأحادية التصورية، أو مذهب ديكارت وبوهمي في لغة منطقية سوف نرى الآن شيئًا منها. وهذه التصورية المطلقة هي الموقف الوحيد الممكن إذا سلمنا بأن الفكر لا يدرك سوى تصوراته، فلا يعود لنا من سبيل إلى الأشياء أنفسها بالحدس، ولا يعود لنا من سبيل إليها بالاستدلال اعتمادًا على مبدأ العلية, وهذا المبدأ صورة من صور الفكر. فمهمة "نظرية المعرفة" بيان كيفية صدور صور الأشياء عن فاعلية الفكر، إذ لا يمكن أن يوجد في الأنا إلا ما كان أثرًا لفاعليته.
ب- نحن لا نشعر بأننا نحدث اللاأنا، فلا بد أن يكون في الأنا المتناهي المدرك في التجربة مبدأ أوسع منه هو الأنا الخالص أو الأنا اللامتناهي، وهو علة عالم الموضوعات الماثلة في الأنا التجريبي، يشبه "الأنا أفكر" الذي قال به ديكارت والذي وضعه كنط وراء مبادئ الفهم. لا نشعر بفاعليته، ولا ندرك سوى آثارها أي: مختلف التصورات. فالمبدأ الأول في نظرية المعرفة هو هذه الفاعلية الروحية، ثم تتسلسل معانيها ومبادئها متولدة بعضها من بعض وفقًا لقانون التقابل والتوفيق الذي أشار إليه كنط في تقسيمه الثلاثي للمقولات بالإيجاب والسلب والحد؛ وكان كنط قد اقتصر على وضع المقولات وضعًا باعتبارها لوازم منطقية للفكر؛ أما فختي فيريد أن يستنبطها استنباطًا، فيبدأ من أبسط مبادئ المنطق العادي, وهو أن ا=ا، ويقول: إن هذا المبدأ يفترض "أنا" يعقله، وإذن فلي أن أضع