بدل ا، وهو كمية غير معينة، الأنا الذي لولاه لم يكن المبدأ ليوضع, فأحصل على "أنا=أنا". ولكن اكمية ممكنة فحسب، والأنا كمية موضوعية ضرورة، فلي أن أقول:"أنا موجود" ثم أستخرج من هذا القول أولًا مبدأً منطقيًّا هو مبدأ الذاتية, وثانيًا مبدأً ميتافيزيقيًّا هو مقولة الوجود. وهذا هو منهج الإيجاب، أي: إيجاب الأنا لنفسه. وكما قلت: إن ا=ا، أستطيع أن أقول: إن "لا اغير مساوٍ لـ ا" ثم أن أستبدل بهذه القضية قولي: "إن لاأنا عير مساوٍ لأنا" فأحصل على تقابل بين أنا ولاأنا، وأستخرج من هذا التقابل أولًا مبدأ منطقيا هو مبدأ عدم التناقض، وثانيًا مبدأ ميتافيزيقيا هو مقولة السلب. وهذا هو منهج السلب، أي: نفي الأنا بوضع اللاأنا. على أن الأنا واحد، فهو لا يطيق هذا التعارض بين أنا ولاأنا. ولكني لا أجد طريقة تحليلية للتوفيق بين الحدين، فالأمر يقتضي فعلا جديدا من الفكر، أي: تركيبا. وإنما يتسنى هذا التركيب بوساطة فكرة الانقسام؛ ذلك بأنه إذا كان كل من الحدين المتعارضين يحد الآخر، فهناك محل للاثنين، ويجيء التركيب على هذا النحو: الأنا يعارض اللاأنا المنقسم بأنا منقسم؛ ومن هنا أستخرج أولًا مبدأ منطقيًّا هو مبدأ السببية، وثانيًا مبدأ ميتافيزيقيًّا هو مقولة التعيين. وهذا هو منهج الحد، أي: وضع الأنا لنفسه باعتباره محدودًا باللاأنا، ووضع الأنا للاأنا باعتباره محدودًا بالأنا. التركيب الأول نقطة بداية الفلسفة النظرية التي تدرس الأنا باعتباره منفعلًا بموضوعات تبدو أول الأمر جواهر أو أشياء بالذات؛ والتركيب الثاني نقطة بداية الفلسفة العملية حيث يرى الأنا نفسه واضعًا حدًّا لفعل الأشياء الخارجية ومستخدمًا إياه لتحقيق ذاتيته. بيد أن التحليل يستكشف في هذين التركيبين متناقضات مماثلة للتناقض الذي خرج من الأنا، فيرفعها الفكر.
ج- منهج الحد يعود بنا إلى الشعور المباشر حيث نجد الموضوعات والأنا فاعلًا ومنفعلًا بالإضافة إليها. وعندئذ نجد صورة الزمان في تعاقب ظواهر الأنا المتناهي، وهذا التعاقب ضروري لأن الأنا يريد أن ينمي حريته، فالزمان أداة الحرية. ونجد صورة المكان في وضع موضوعات اللاأنا, كل على حدة. ونجد مبدأ العلية في تفاعل الأنا واللاأنا، ثم ننقله عفوًا إلى موضوعات اللاأنا إذ نتصورها متوقفة بعضها على بعض. وإلى هنا ينتهي الاستنباط، فإن فختي لا يريد "ولا يستطيع" أن يستنبط سوى المعاني العامة, دون الجزئيات الماثلة في الشعور.