ولما كان الأنا الخالص يفعل طبقًا لقوانين، كانت صورة العالم في شعورنا موضوعية، وكانت واحدة في جميع الأناوات المحدودة. ونظننا بغير حاجة إلى التنبيه على ما في هذا الاستنباط من صناعة زائفة, وما في وقوفه عند الكليات من إقرار بالعجز ودلالة على البطلان.
١١٣ - الأخلاق والدين:
أ- قلنا: إن في الأنا حاجة أولية للعمل، هذه الحاجة, حين تتعلق ببعض الأشياء المتغيرة، تبدو ميلًا طبيعيًّا وترمي إلى اللذة, واللذة تجعلنا تابعين للأشياء. والحاجة الأولية للعمل غير متناهية في ذاتها، فهي بهذا الاعتبار تعرب عن استقلال الأنا بإزاء الأشياء جميعًا، وتفسح له مجال الاختيار، فيتحرر من كل تبعية حسية. وهكذا نحصل على القانون الخلقي، وهو أن "كل فعل جزئي يجب أن ينتظم في سلسلة تقودني إلى الحرية الروحية كاملة". وبذا يتحقق الأنا اللامتناهي في العالم المحسوس، فنشعر باحترام أنفسنا، ونشعر بغبطة مباينة بالمرة للذة الحسية التي يخلق بنا ألا نسميها لذة، والتي إذا طلبت لذاتها أشعرتنا باحتقار أنفسنا، فإن هذا الطلب وليد الكسل؛ كسل دون التفكير فيما يحقق الحرية وما لا يحققها، وكسل دون الارتفاع فوق الحاضر؛ ثم يجرّ الكسل إلى الجبن والنفاق، وتفضيل العبودية على الجهد.
ب- كيف يمكن إيقاظ الميل إلى الحرية؟ قد تكون الحاجة الروحية الأولية من القوة في بعض الأفراد بحيث ترفعهم فوق المحسوسات وهم لا يفهمون ولا يفهم الغير، إذ إن هذه الحاجة لا تفسر بالأنا التجريبي الذي هو موضوع إدراك؛ فيكونون للغير مثلا ونماذج، ويؤثرون فيهم. فإذا اعتبروا هم واعتبر الغير هذه القوة والأفعال الصادرة عنها بمثابة الخوارق؛ نشأت ديانة وضعية، وكانت عاملًا على إيقاظ النشاط والاهتمام الغافلين في معظم النفوس. لذا كان من الأهمية بمكان عظيم أن يعيش الفرد بين الأفراد، فما هو إنسان إلا بوجوده بين الناس. فإذا اتبع كل يقينه، عمل الكل على تنمية الاستقلال الباطن، وعلى تحقيق العقل أو الأنا الخالص. فإذا قيس الفرد من حيث هو كذلك إلى هذه الغاية اللامتناهية، بدا وسيلة ضئيلة القيمة. فالمطلوب أن يمحو الفرد فرديته، لا بالتأمل الصوفي،