للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١٥ - الفلسفة الطبيعية:

أ- قال فختي بأنا خالص أو لاشعوري صنع اللاأنا. فيعترض شلنج بقوله: ليس اللاشعوري أنا أو ذاتًا، ولا لاأنا أو موضوعًا، إذ ليست توجد الذات بدون موضوع يعينها يظهرها لذاتها، وليس يوجد الموضوع بدون ذات تتصوره. وعلى ذلك لا يمكن القول بأنا مطلق، ولا بلاأنا مطلق، من حيث إن كلًّا منهما شرط الآخر. فيلزم إما أن ننكر المطلق وهذا غير مستطاع، أو أن نضعه مثالًا صرفًا وراء الأنا واللاأنا, وراء كل تقابل، فنقول: إنه ملتقى الأضداد جميعًا، وإنه منبع كل وجود. ومن ثمة لا ينبغي القول مع المذهب التصوري: إن الأنا يحدث اللاأنا، إذ ليس التفكير إحداث موجود، ولكنه إحداث صورة الموجود؛ ولا القول مع المذهب الحسي: إن اللاأنا يحدث الأنا، فما التجربة إلا بداية العلم, ثم نطبق عليها القوانين العقلية فتنطبق، مما يدل على أن للطرفين منبعًا مشتركًا. وفي الواقع: إن الأنا واللاأنا، أو الفكر والوجود، أو الروح والطبيعة، صادران كلاهما عن مبدأ أعلى ليس هو أحدهما ولا الآخر, ولكنه يصير الواحد والآخر.

ب- نستطيع تعيين الطبيعة باتباع المنهج الثلاثي الذي استخدمه فختي بعد كنط وهو عبارة عن وضع قضية، ثم وضع نقيضها، ثم تركيبهما، إذ إن هذا منهج التفكير. فالطبيعة هي أولا مادة وثقل أي: جذب ودفع، وهي ثانيًا صورة أي: نور ومغناطيس وكهرباء وتركيب كيميائي، وهي ثالثًا مادة معضونة أي: مركب المادة والصورة يبدو فيه النظام من الغايات والوسائل. على أن هذه الدرجات الثلاث لا توجد منفصلة، وإنما شأنها شأن الأفعال الفكرية الأولية الثلاثة. إن الطبيعة جمعاء معضونة: المادة روح ناعس، والروح مادة تنتظم؛ الجماد نبات بالقوة، والحيوان نبات أعلى، والدماغ الإنساني خاتمة التعضون. جميع الظواهر الطبيعية مظاهر متفاوتة لقوة واحدة هي النفس العالمية، ويرجع التفاوت إلى اختلاف النسب الكمية بين المادة والروح.

ج- أما قوى الروح فتبدو في المعرفة والعمل والفن. المعرفة حسية وعقلية, بالحس يبدأ روح الطبيعة يدرك غيره، فهو بالحس يحطم الحواجز التي تحصر المادة في ذاتها, وبالعقل ينظم المعرفة الحسية, وبتمييز العقل بين نفسه وبين مفعوله

<<  <   >  >>