يصير إرادة، ويصير الأنا النظري أنا عمليًّا. العقل يخلق معانيه ومبادئه دون أن يشعر، والإرادة تشعر بأنها علة ما تحدث، وهذا الشعور هو الشعور بالحرية. فالحياة الروحية تنبعث من تفاعل العقل والإرادة؛ العقل يثبت اللاأنا، والإرادة تتحرر منه. وفي هذا التفاعل، أو تعارض الروح والطبيعة، تقوم حياة النوع الإنساني أو التاريخ. وللتاريخ ثلاثة عصور: الأول يتميز بغلبة العنصر القدري وهذه هي القضية، أو المادة والعقل، أو العقل بغير إرادة. والعصر الثاني افتتحته روما ولم يزل، هو عبارة عن رد فعل من جانب العنصر الإرادي ضد القدر. والعصر الثالث، وهو المستقبل, سيكون مزاجًا من هذين العنصرين. وهكذا سيتحقق المطلق شيئًا فشيئًا، أي: يتحقق المثال فيصير وجودًا، دون أن يتحقق كله نهائيا من حيث إن الزمان غير متناهٍ. على أن باستطاعة الإنسان أن يرتفع إليه بالحدس الفني، فإن الشعور بالجمال في الطبيعة والفن أرفع صور الحياة الروحية. و"الفن هو الطريقة الوحيدة التي تشهد بما تعجز الفلسفة عن التعبير عنه، أي: باللاشعور في العمل وفي الصنعة، وبأن اللاشعور والشعور شيء واحد في الأصل. وهذا هو السبب في كون الفن المثل الأعلى عند الفيلسوف، فإنه يظهره على اتحاد ما يبدو منفصلًا في الفكر وفي الطبيعة". أي: إن الفن هو الطريقة الوحيدة لتصور وحدة الفكر والطبيعة، وحدة العارف والمعروف، وإن عنده تمحى متناقضات الوجود، وبنوع خاص التناقض بين النظر والعمل. فهذه الفلسفة الطبيعية التي تنتهي إلى تصوف فني هي في الواقع بعث لمذهب المادة الحية الذي بدأت به الفلسفة اليونانية, والذي اصطنعه غير واحد من الأطباء والكيميائيين في عصر النهضة الحديثة، دون أي تقدم فلسفي أو علمي. وكل ما هنالك تكديس للمعارف وبراعة في عرضها والربط بينها.
١١٦ - الفلسفة الدينية:
أ- تصدى شلنج لتصحيح فختي، فقام تلميذ له يصححه هو ويفلح في تحويله عن الجادة. نشر هذا التلميذ كتيبًا بعنوان "الفلسفة في انتقالها إلى اللافلسفة" قال فيه: إن الفلسفة عاجزة عن تفسير خروج الكثرة المتنوعة من الواحد المطلق، وإن الاعتقاد بإله خالق يحل هذا الإشكال، فالفلسفة تؤدي إلى الدين،