للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو أعلى منها. فعني شلنج بهذه المسألة، واعترف "في كتابه "الفلسفة والدين"" باستحالة استنباط الكثرة والتضاد من الوحدة المطلقة، وآمن بإله شخصي، أي: بإله هو إرادة أولًا وقبل كل شيء، إرادة محض سابقة على كل تعقل وكل إرادة شعورية، إرادة نازعة إلى الوجود الشخصي والشعور. ولا تنمو الشخصية إلا بمصارعة قوى معارضة، فيجب التسليم بتعارض أصيل في الذات الإلهية، وهو تعارض ينتهي إلى الانسجام بتطور الحياة الإلهية، دون أن يعني هذا التطور تعاقبًا في الزمان، إذ ليس في الله بداية ونهاية، بل هناك حركة دائرية سرمدية. وهذا النزوع الإلهي إلى الوجود، أو هذه "الأنانية الإلهية" علة الأشياء جميعًا. ويسهب شلنج في تفصيل هذه الفكرة العامة، ويعود إليها في كتابه "ماهية الحرية الإنسانية" وهو أكبر كتاب دوّنه في فلسفة الدين. وما هذه الفكرة العامة إلا صورة مأخوذة من الإنسان, فإن الإنسان في البداية جملة من القوى والنزعات المتعارضة. فيختار بينها، فتتعين شخصيته. وشلنج صادر فيها رأسًا عن المتصوفين المريبين، من ديكارت إلى جاكوب بوهمي، وقد عكف على قراءتهم. ولا تختلف فلسفته الدينية عن فلسفته الطبيعية إلا في تصور المطلق؛ فقد كان رآه مثالًا صرفًا وحاول أن يستخرج الأشياء منه بجدل عقلي، ثم عاد فرآه إرادة تخرج الأشياء منها بالنزوع. وقد دعا هذا الانتقال من الجدل إلى الإرادة، انتقالا من الفلسفة السلبية إلى الفلسفة الإيجابية؛ ووجد في هذه ميزة كبرى على تلك، هي أن الجدل لا يوصل إلا إلى الممكنات والقوانين الكلية، بينما الوجود العيني يقتضي قدرة وإرادة. ولكن لب فكره لم يتغير، وهذا اللب هو الأحادية أو وحدة الوجود مركبة على ضرب من الجدل هو أقرب إلى القصص الأسطوري منه إلى الاستدلال الفلسفي.

<<  <   >  >>