للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجود واللاجود، أي: الموجود الذي لا يوجد على التمام، وهذه هي الصيرورة، فهي صميم الوجود، وهي سر التطور، إذ إن الوجود من حيث هو كذلك ثابت عقيم، واللاوجود عقيم أيضًا، على حين أن الصيرورة وجود لاوجود "ما سيصار إليه". فهي التي تحل هذا التناقض الأول. وبذلك يضع هجل التناقض مبدأ أول في العقل وفي الوجود، ويزعم أنه بذلك يخرج من الشك ولا يسقط فيه، إذ يلاحظ أن متناقضات العقل "كما صادفناها عند كنط" تبرز حتمًا وتقوم سببًا للشك في المذاهب التي تؤمن بمبدأ عدم التناقض، أي: تعتبر الأشياء ماهيات ثابتة على مثال تعريفاتها في عقلنا، بينما اعتبار الموجود صائرًا ناميًا، واعتبار التناقض ماهية تتجلى في متناقضات العقل، يجعل الوجود معقولًا؛ وما ذلك إلا لأنه ظن أن الوجود إطلاقًا هو الوجود المحسوس الصائر المتحرك، فشك في العقل الذي يعلل الحركة بالثبات، والقوة بالفعل. ومنذ الآن نستطيع أن نصف فلسفته بأنها حسية واقعية, تريد أن ترفع المحسوس إلى مقام المطلق، والواقع إلى مقام الحق.

ج- الموجود يصير إذن، أي: يثبت ويتعين، وها هي ذي مقولة الكيف: والموجود المعين يعارض ما يغايره وينافيه، فيبدو هكذا مضافًا، وها هي ذي مقولة الإضافة: والموجود المعين هو المحدود المتناهي، ولكنه يصير إلى ما لانهاية ويقبل كل تعيين، فالمتناهي لامتناهٍ؛ وينحل هذا التناقض في معنى "الشيء" أي: الجزئي أو الفرد الذي هو اللامتناهي موجودًا على حال ما. وبعبارة أخرى: إن الموجود لا يوجد إلا بشروط معينة وعلى حال معينة وفي حدود معينة, فاللامتناهي إذ يتحقق يتعين ويتحدد ويتميز ويتوحد. هذا الموجود الواحد يعارضه الوجود المنتشر في الكثرة, وها هي ذي مقولة الكم: والكثرة في جملتها "واحدة" هي مركب يثبت الوحدة وينفيها في آن واحد؛ ويبدو هذا المركب بنوع خاص في الكم المتصل الذي هو واحد بالفعل, كثير بالقوة لقبوله القسمة باستمرار؛ والقسمة تولد ضده وهو الكم المنفصل أو العدد؛ والعدد في ذاته لا يقتضي حدا معينا, فهو في ذاته متناه وغير متناه؛ ولما كانت كل كمية قابلة للزيادة والنقصان، وجدنا اللامتناهي في ناحيتين متقابلتين: اللامتناهي في الكبر، واللامتناهي في الصغر. والعدد هو الكم المبدد، يقابله الشدة وهي الكم المجموع المركز، ويتفقان

<<  <   >  >>