للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في المقياس والنسبة، إذ إن كل موجود فهو نسبة معينة من العناصر المكونة له, فالنسبة هي الموجود وقد صار ماهية.

د- الماهية هي الموجود منشورًا بحيث يكون له وجهات عدة يعكس بعضها بعضًا, والانعكاس هو الظاهرة, والماهية والظاهرة متلازمان؛ أو الماهية هي القوة أو الفاعل، والظاهرة فعل القوة أو وظيفتها؛ أو الظاهرة ماهية الماهية، من حيث إنه من الجوهري للماهية أن تظهر وللظاهرة أن تنم عن الماهية، كما أنه من الجوهري للمبدأ أن يخرج نتائجه. والماهية إذا اعتبرت مبدأ فاعلا صارت جوهرًا, والجوهر يقابله العرض؛ ويصير العرض جوهرًا بدوره بمعنى أن الجوهر مفتقر إليه كي يظهر, والجوهر هو خصائصه فحسب. وبذا نستبعد فكرة إله مفارق للعالم، وفكرة نفس مستقلة عن الظواهر المكونة للأنا، وفكرة مادة مستقلة عن الكم وسائر الأعراض. على أن الجوهر إذا كان مجموع أعراض، فهو ليس مجرد مجموع آلي، ولكنه مجموع حي مرتبط بأعراضه ارتباطًا جوهريًّا، أي: إنه علتها. والعلة والمعلول متلازمان، وهما يؤلفان شيئًا واحدًا. والمعلول هو العلة محققة، كما أن الأعراض هي الجوهر منشورًا. وليس في المعلول شيء إلا وهو في العلة، وليس في العلة شيء إلا ويتحقق. وكل معلول فهو بدوره علة، وكل علة فهي معلول لعلة سابقة. على أن سلسلة العلل والمعلولات ليست غير متناهية في خط مستقيم، ولكنها متناهية دائرية، مثل أن المطر علة الرطوبة والرطوبة علة المطر، وأن خلق الشعب تابع لشكل الحكومة, وشكل الحكومة تابع لخلق الشعب. فليس هناك علة مفارقة لسلسلة العلل مطلقة دونها، ولكن المطلق جملة العلل الجزئية النسبية.

هـ- هذا هو القسم الأول من أقسام الفلسفة الهجلية، وهو استنباط المعاني الأولية بالإثبات والنفي والجمع بينهما. أما المعاني الأولية فمشهورة منذ زمن طويل، هي المعروفة في فلسفة أرسطو بالوجود ولواحقه وبالمقولات، وقد أفاض المدرسيون في شرحها. وأما منهج الاستنباط فقائم على غلط مؤداه أن الشيء القابل لأن يتعين بأشياء أخرى هو ملتقى هذه الأشياء ومجمعها، فهو نافٍ لنفسه متناقض في ذاته. والواقع أن لهذا الشيء مفهومًا في عقلنا لا يتضمن الأشياء التي قد يتعين بها، فلا تناقض فيه، ولا تناقض في العقل الذي يتصوره بالإضافة إلى التعيينات الممكنة، بل بالعكس يعلم العقل أن هذه التعيينات لا تجتمع فيه من جهة واحدة

<<  <   >  >>