متمايزة وتكون منها السماء. إن تكوين الأجرام السماوية بمثابة الخطوة الأولى التي تخطوها الطبيعة في طريق التشخص. توزع المادة وانتظامها في السماء يمثلان مقولات الكم, والنزوع المنبث في الطبيعة يبدو في الجاذبية التي تحقق فكرة التناسب, وتجعل من العالم جسمًا حيًّا. السماء مجتمع ابتدائي يشبه من بعيد المجتمع الإنساني.
ج- وتتنوع المادة تنوعًا كيفيًّا، فيظهر النور، تعارضه الحرارة، فينحل هذا التعارض في الكهرباء، فيظهر من الكهرباء الكيمياء بعناصرها المتقابلة، فتتفاعل هذه العناصر ثم تأتلف في المركبات. فعلما الطبيعة والكيمياء يدرسان الاستحالة الباطنة, والتغير الجوهري.
د- ثم تظهر من القوى الفيزيقية والكيميائية الكائنات الحية التي هي مجاميع مركزة. لا بمعنى أنها وليدة المادة والآلية فحسب, ولكنها وليدة تطور المثال أو الروح بواسطة المادة. ويلقى الكائن الحي معارضة من الطبيعة الخارجية، فيثبت فرديته أو يحقق مثاله بالتمثيل المتصل والتنفس والحركة الحرة. وأدنى صورة الحياة النبات، وهو بدن ناقص، وهو عبارة عن أعضاء كل منها فرد، فهو ضرب من تبديد الحياة في هذه الحيوات الابتدائية المنفصلة المتجانسة إلى حد كبير الحاصل كل منها على قوة الحياة على حدة. ثم تتحقق الفردية في الحيوان، فإن أجزاءه أعضاء بمعنى الكلمة أي: خدام الوحدة المركزية، وهي عبارة عن أنظمة منوعة، كالنظام العصبي والدموي وما إليهما؛ وهنا أيضًا درجات؛ فإن الحيوانية تترقى بالتدريج على رسم واحد إلى أن يصل الروح الخالق إلى جسم الإنسان، فيقف عنده من حيث المادة، ويغدق عليه الكنوز الروحية. وفي كل هذا الوصف يستخدم هجل المعارف العلمية من وقت أرسطو إلى وقته, ولا يصنع أكثر من أن يرتبها الترتيب الثلاثي كما يقتضي منهجه، ويسلسل بعضها من بعض كما يقتضي مذهبه الأحادي.
١٢٠ - الإنسان والمجتمع:
أ- بعد أن يعارض الروح المطلق نفسه بالطبيعة, يميل ضرورة إلى التغلب على هذا التعارض بأن يستعيد نفسه بمعرفة نفسه. وهنا أيضًا يبدو تطوره ثلاثيا: فأولا نجد الروح في ذاته أو الروح الذاتي، أعني: الفرد مقر الظواهر الشعورية