التي يدرسها علم النفس؛ وثانيًا الروح لذاته أو الروح الموضوعي، أعني المجتمع؛ وثالثًا الروح في ذاته ولذاته، أعني: الاتحاد الأعلى للروح الذاتي والروح الموضوعي، أو جملة الحياة الروحية للوجود متجلية في الفن والدين والفلسفة.
ب- ماهية الإنسان روح، أي: شعور وحرية. ولكن الشعور والحرية على درجات ثلاث: ففي الدرجة السفلى الروح مقارن للجسم، ينمو وينضج ويشيخ معه، إحساساته غامضة يقابلها انفعالات غامضة، وهذه "جسمية الروح""التي يسميها علم النفس الآن باللاشعور". ثم يظهر الشعور الواضح، فيدرك الإنسان ذاته ويدرك الأشياء, وهذان إدراكان متعارضان، يوفق بينهما "الفهم" الذي وظيفته إدراج الإحساس تحت قوانينه الأولية، وجعل مدركات الشعور موضوعية، ووضع الحقيقة، على ما بيّن كنط. وفوق جسمية الروح والشعور الواضح المعين بالفهم نجد العقل الذي يؤلف بينهما, إذ يجعل من قوانين الشعور قوانين الحياة، أعني أن النظر ينقلب عمليًّا حين يتخذ الروح ذاته موضوعًا لإرادته، كما قال كنط، فيتفق النظر والعمل. فالروح الذاتي، حين يقر بالحقيقة والقانون، يقر بسمو الروح الموضوعي، ويقدمه على نفسه.
ج- للروح الموضوعي مظاهر ثلاثة تقوم بإزاء المظاهر الذاتية الثلاثة، هي: الحق والواجب والمؤسسات الاجتماعية التي هي الأسرة والمجتمع المدني والدولة. ففي حالة الطبيعة يسيطر على الفرد الأنانية الحيوانية، وفي حال الاجتماع تنتظم هذه الأنانية بالحق والقانون؛ لأن الفرد يدرك بعقله أن الآخرين نظراؤه، وأن العقل والحرية والروحية "وهي مترادفات" خيرهم المشترك، فيتخذ حرية أخيه الإنسان قانونًا لحريته هو أي: حدًّا لها، وهذا أصل التعاقد. ويبدو الحق في التملك حيث يتناول الفرد شيئا خارجيا عاطلا من الإرادة فيجعله شيئه الخاص وينفذ فيه إرادته. ولكن الحرية المضمونة بالحق بالنسبة إلى الأشياء الخارجية هي حرية ناقصة؛ إذ إنها لا تعنى بالباعث الباطن، فتدع مجالًا للصراع بين الروح الذاتي والروح الموضوعي. ويزول هذا الصراع بأن يصير احترام الحق إراديًّا، فتصير المطابقة للقانون "خلقية" تنظم الحياة الباطنة، على حين أن الحق لا ينظم سوى المنافع المادية. على أن الفرد ميال للأنانية وللشر، فهو عاجز بمفرده عن تحقيق المثل الأعلى الأخلاقي، فيجد المعونة في المجتمع الذي يحرره من نفسه, ويوفر له وسائل العمل الصالح.