د- وهذه الفلسفات الألمانية الضخمة مركبة على نمط واحد، ولا تفترق إلا في المبدأ الأول وتوجيه التفسير بناء على هذا المبدأ. فمسائل الفلسفة وحلولها المختلفة معروفة من تاريخها، وكل الجهد ينحصر في اختيار المبدأ والحلول، ثم النزول من أعلى مراتب الطبيعة الماثلة أمامنا إلى أدناها لتبين عوامل التركيب أو ما يبدو كذلك، ثم عرض هذه العوامل وتركيباتها كأنها مستنبطة استنباطًا، حتى ليصبح المذهب الفلسفي لونًا من ألوان الأدب، وهو كذلك بالفعل عند الكثيرين. وإذا أردنا أن ندل على ميزة لهذه الفلسفات، قلنا: إنها صدق فهم الكائن الحي بأنه وحدة متطورة بقوة باطنة هي التي سماها أرسطو بالصورة والعلية الصورية. لا أنه مركب صناعي من ذرات قائمة بأنفسها كما يريد المذهب الآلي. لذا نجد هؤلاء الفلاسفة يردون وحدة الطبيعة ووجوه الشبه بين الأحياء إلى أن هذه الأحياء تجليات أو خلائق أصل واحد بعينه، ويخالفون القائلين بتحول الأنواع بعضها إلى بعض بمر الزمان. وهاتان فكرتان سيكون لهما أثر بليغ فيما سيأتي من مذاهب روحية، وهما ظاهرتان كل الظهور في "التطور الخالق" وما رتبه عليه برجسون من أصول وفروع.