إرادتنا ذلك من عقلنا, وجب عليها أن تنكر نفسها وتفنى في النرفانا.
ج- هذه الفلسفة تعميم تجربة شخصية لجموح الأهواء وألم الحياة. وقد قال عنها شوبنهور: إنها استقرائية تحليلية "ككل علم جدير بهذا الاسم" أو إنها "ميتافيزيقا تجريبية" بعكس الميتافيزيقا القياسية التركيبية المعروفة عن أصحاب وحدة الوجود من بارمنيدس إلى سبينوزا. وكان شلنج قد وضع مثل هذه الميتافيزيقا التجريبية في مرحلته الأولى الطبيعية, وسيقوم لهما أنداد لعل آخرهم برجسون. وقد أدت بشوبنهور تجربته الباطنة إلى نصب إرادة كلية عمياء شريرة، في حين أن الشر بالذات ممتنع الوجود. ولم يفسر لنا كيف تخرج الأشياء المنظمة من الإرادة العمياء تخبط خبط عشواء، وكيف يخرج العقل من اللاعقل. ومهما يقل عن الحرب والاضطراب في الطبيعة، فإن كلا من الموجودات الطبيعية منظم في ذاته له ماهية ثابتة يعمل بحسبها, فتأتي أعماله وأحواله مطردة، ويلتئم النظام العام وهو ظاهر لا يحتاج إلى دليل. وكيف نتحرر من الإرادة الكلية؟ أليس هذا التحرر بحاجة إلى إرادة؟ فمن أين تأتي إرادة إنكار إرادة الحياة؟ وهل الشفقة هي النتيجة المنطقية لمبدأ المذهب، أو أن المنطق يؤدي إلى وجوب ترك الضعفاء إلى مصيرهم، أو التعجيل بالقضاء عليهم، ما دام الوجود شرا بالذات؟ وفي الواقع, لقد انتحر كثير من قراء شوبنهور، فكانوا أكثر إخلاصًا للمبدأ وللمنطق من الرجل الذي ما أبى على نفسه شيئًا من متاع الحياة, وكان يتمنى امتداد عمره واستطالة سلامته. وتعريفه للزهد مطابق للبوذية, مخالف للمسيحية مهما يرد أن يجمع بين هاتين الديانتين: ترمي البوذية إلى الفناء التام، وترمي المسيحية إلى كبت الغرائز الحسية لإطلاق الحرية للحياة الروحية والاستزادة منها إلى أبعد حد، وشتان بين الموقفين! ولئن كان القديس بولس قد رفع العزوبة المسيحية فوق الزواج، فهو قد فاضل بين خيرين، ولم يقل: إن الزواج شر كما توهم فيلسوفنا. وقديمًا رفع أفلاطون وأرسطو حياة الحكمة فوق الفضائل الأخلاقية. ويقول شوبنهور: إن المسيح هو المثل الأعلى للذي يفهم مذهبه حق الفهم؛ لأنه ضحى بجسمه الذي هو معلول إرادته, وقتل في نفسه إرادة الحياة, فما قوله في أن المسيح مات ليخلص البشر وأنه قام من بين الأموات؟ إن هذه الفلسفة حافلة بالاستدلالات الفطيرة والتأويلات المعتسفة.