للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو يعارض كوندياك في تخريجه القوى النفسية بعضها من بعض، ويرى وجوب القول بقوى أولية متمايزة. يضع كوندياك الإحساس قبل الحكم ويخرج من الحكم النزوع؛ فيقول دي تراسي: ولكن الإحساسات يمكن أن تتقارن دون أن تختلط والتقارن نسبة مدركة فورًا، أي: حكم مقارن للإحساس. ثم إن الإحساس باللذة أو الألم يتضمن الشعور بنسبة بين الإحساس والقوة الحاسة، ويمكن أن يثير نزوعًا سابقًا على الحكم، وإذن فالإحساس والحكم والنزوع قوى أولية على السواء، كذلك ليست الغريزة مكتسبة، ولكنها نتيجة مباشرة لتركيب الحيوان، مثلها مثل الهضم أو أية وظيفة أخرى. وأيضًا لا يكفي اللمس المنفعل لإظهارنا على "الخارجية" ولا بد لذلك من قوة الحركة، فإن ما نحسه من مقاومة لفعلنا الإرادي يعلمنا أن ما يقاوم إرادتنا مغاير لها. وقوة الحركة هذه بمثابة حاسة سادسة تعطينا إحساسات خاصة.

١٣٣ - مين دي بيران " ١٧٦٦ - ١٨٢٤ ":

أ- هو أحد الشباب الملتفين حول كابانيس ودستو دي تراسي، الآخذين بأقوالهما وبمبادئ كوندياك. وكان ذا مزاج قلق, وكان ميالًا للاستبطان قديرًا عليه قدرة فائقة. وجد في نفسه عواطف غامضة متناقضة مرتبطة من غير شك بحالات عضوية متأبية على إرادته، فالتفت بقوة خاصة إلى الحساسية الباطنة، وفطن إلى أن المعاني والإرادات الأخلاقية صادرة بلا ريب عن منابع مغايرة للإدراكات الحسية الظاهرية. وحدث أن أعلن المجمع العلمي سنة ١٧٩٩ موضوعًا للمسابقة هو: "ما تأثير العادة على قوة التفكير؟ " فدون رسالة "في العادة" فازت بالجائزة، وأعقبها برسالة تكميلية. وقد بين أن فينا قوة فعلية إلى جانب الانفعال الذي يعول عليه كوندياك، وأن تأثير العادة يختلف في الانفعال وفي الفعل؛ فالانفعالات جميعًا تضعف بالتدريج حتى تنمحي إذا ما استطالت أو تكررت، كالإحساس المتصل برائحة بعينها فإنه ينتهي إلى العدم؛ لأن اتصاله وتكراره يضعف قدرة العضو الحاس على مزاولة الجهد أو الشعور بالمقاومة؛ في حين أن الأفعال أو الإدراكات تزداد وضوحًا بازدياد حركة العضو الحاسّ وتضاؤل الانفعال كالرؤية, فإنها تتميز إذا ما اعتدل تأثير العضو ووهج اللون، أو

<<  <   >  >>