للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضعف الشعور بحركات عضلات العينين بتأثير العادة؛ وعلى العكس يغمض الإدراك حتى يصير انفعالًا إذا ضعفت حركة العضو الحاس أو سكنت. وإذن فالإدراك غير الانفعال, ولكن العادة تكسب الأعضاء الحاسة سهولة وسرعة وسدادًا في حركتها فتضعف الشعور بالقسط الفعلي في الإدراك حتى تزيله, وفي الذاكرة أيضًا فعل وانفعال. فثمة فرق بين عودة الصور إلى الذهن عودة تلقائية وبين استعادتها بالإرادة. والعقل من جهته لا يتكون حقا إلا بحصوله على الألفاظ وهي إشارات إرادية وحركات مقابلة للمعاني دالة عليها؛ ومن شأن العادة أن تجعل العقل يربط بين هذه الحركات وبين المعاني المقابلة لها بسرعة وسداد متزايدين. وليس صحيحًا ما قاله كوندياك من أن قوة التفكير قائمة كلها في الإشارات أو الألفاظ، إذ كيف كان يمكن خلق الإشارات بدون فعل الفكر؟ فكل تقدم فكري فهو يتوقف على الجهد الباطن الذي يوجد عادات فعلية جديدة.

ب- وفي ١٨٠٥ أعلن المجمع العلمي موضوعًا آخر للمسابقة هو: "كيف يمكن تحليل قوة التفكير وما هي القوى الأولية التي يجب الاعتراف بها لها؟ " وضع هذا السؤال "المعنويون" الذين كانوا يؤلفون أكاديمية العلوم. فدون مين دي بيران "رسالة في تحليل الفكر". كانوا يقصدون بالقوى الأولية مظاهر الإحساس في تحوله؛ وفهم هو أن المطلوب القيام بتحليل يكشف عن "أبسط وأوكد معرفة تصير بها جميع المعارف ممكنة" فقال: إن الظاهرة الأولية هي الجهد العضلي، به يعرف الأنا نفسه معرفة مباشرة أنه قوة تعلو على الجسم, وتحدث حركة عضلية أي: توترًا تستطيله بالإرادة. وليس يعرف الأنا نفسه إلا باعتباره علة فاعلية في مادة تقاومه. ونحن نجد في كل شعور بالأنا هذا الاتحاد الوثيق بين هذين العنصرين المتباينين: قوة لامادية ومقاومة مادية، بحيث ينعدم الشعور بانعدام المقاومة. إن التجربة الباطنة لا تظهرنا على جوهر النفس ندركه بالحدس مستقلا عن الفعل في الجسم، كما اعتقد ديكارت، ولكنها تقفنا فقط على قوة فاعلة شخصية متضامنة مع الطرف الذي تفعل فيه. أما تصور ديكارت للعلاقة بين الأنا والحس على مثال العلاقة الخارجية بين صانع ومصنوع, فإنه يؤدي, وقد أدى بالفعل, إلى إنكار فاعلية النفس في الجسم، كما رأينا عند مالبرانش وليبنتز وغيرهما. وفي معرفة الأنا لنفسه في الشعور بالجهد توجد بالتضمن المعاني الأولية: معاني الوجود

<<  <   >  >>