متشابهون إرادةً وعملًا، ولكنهم ليسوا متساوين إرادةً وعملًا، وهم من جراء هذا التشابه وهذا التفاوت يؤلفون نظامًا ضروريًّا من الإرادات والأعمال يسمى المجتمع". والمجتمع الأول هو الأسرة، يبدو فيها التشابه والتفاوت ووحدة السلطة. فيجب احترام الأسرة بما هي كذلك، وإذن يجب اعتبار الزواج عقدًا غير قابل للفسخ، فإن الطلاق يفترض أن الزوجين فردان على حين لا توجد فردية بعد عقد الزواج بل توجد الأسرة، ومهمة المجتمع تكميل الأسرة لا هدمها.
ج- والعلم الإنساني من عند الله. إن المذهب الفردي يقيم من عقل الفرد حاكمًا في كل موضوع, فيؤدي إلى تضارب الأحكام, وهناك حقائق كلية مشتركة بين جميع الناس يجب الإيمان بها. إن الفرد حاصل على العقل، ولكنه لا يعقل المعنى إلا باللفظ الدال عليه، والمجتمع هو الذي يعلمه الألفاظ فينقل إليه المعاني بوساطتها. ليست اللغة من إنشاء الإنسان, والذين يدعون ذلك هم الذين يدعون أن الاجتماع اتفاق عرفي؛ ولكننا قلنا: إنه ضروري، فيجب القول: إن اللغة عطية من الله حملت إلى الناس قضايا نظرية وقواعد عملية، وإن الإنسان مدين بكل شيء للمجتمع. أجل قد تكفي الصور الحسية لمعاني الماديات؛ أما المعاني الروحية كالفضيلة والعدالة وما إليهما، التي هي أساس الاجتماع والأخلاق، ومعاني الأفعال على اختلاف ضروبها، مثل قولنا: أفكر وسأمشي, فمستحيلة بدون الألفاظ المعبرة عنها. وليس اللفظ المحسوس علة الفكر الروحي, ولكن هذا الفكر كامن في العقل, واللفظ إرادة لا غنى عنها لكي ندرك المعنى، ويمتنع إدراك المعنى دون النطق الباطن باللفظ الدال عليه. وليس الفرد هو مبتدع اللفظ، فإن هذا الابتداع يستلزم تفكيرًا وهذا التفكير نفسه يفتقر إلى لفظ. والواقع أن الفرد يتلقى اللغة بالتربية، وبدون هذه التربية لا يحصل على أي شعور حتى على الشعور بوجوده؛ فكان لا بد أن يوحي الله باللغة إلى الإنسان الأول. والتجربة تؤيد هذا الدليل؛ فإننا بحاجة إلى تعلم كل حقيقة، حتى الحقائق الرياضية، وبنوع خاص الحقائق الأخلاقية والاجتماعية، بحيث إذا لم تلقن بالتعليم قضي على حياة المجتمع بل على حياة الفرد.