كان الله والعالم موجودًا واحدًا. فلانهائية العالم تلزم إذن من اعتبار الله؛ فإن الله مبدأ الخير، فهو يمنح كل ما في قدرته أن يمنح، دون حسد ولا بخل؛ فالكمال اللامتناهي يتجلى بالضرورة في عدد لامتناهٍ من الموجودات، إذ إن التقابل بين القدرة والوجود لا يصح إلا بالإضافة إلى الموجود المتناهي، لا بالإضافة إلى اللامتناهي حيث تتفق القدرة والإيجاد.
هـ- وتلزم لانهائية العالم أيضًا من اعتبار العالم نفسه؛ فنحن نلاحظ أن الأفق ينتقل بانتقالنا في المكان، فالإدراك الحسي لا يدل على مركز مطلق للعالم أو على حد مطلق كما اعتقد القدماء، بل العكس يدل على إمكان اعتبار أي مكان نوجد فيه بالفعل أو بالخيال مركزًا للعالم، وعلى إمكان تكبير حدود العالم إلى ما لانهاية. ويتفق مع شهادة الحس هذه ما لخيالنا وعقلنا من قوة إضافة العدد إلى العدد والمقدار إلى المقدار، دون وقوف عند حد؛ كما يتفق معها شعورنا بعدم الرضا كلما بلغنا إلى غاية توخيناها. فمن غير المعقول أن لا يكون الوجود بحيث يطابق مقدرة خيالنا وعقلنا وإرادتنا على مجاوزة كل حدّ.
وويلزم مما تقدم نسبية المكان والحركة والزمان. أما نسبية المكان، فتتضح من كون الأفق يستدير دائمًا حول النقطة التي نوجد فيها، فيصبح تعيين المكان نسبيًّا، ويختلف شكل العالم في نظرنا باختلاف النقطة التي نتمثله منها، فيبدو من القمر غيره من الأرض، ويبدو من الزهرة أو من الشمس غيره كذلك وتصير نقطة واحدة بعينها مركزًا أو قطبًا أو سمتًا. لذا كانت ألفاظ "فوق وتحت ويمين ويسار" لا تدل في الحقيقة على شيء مطلق. وأما نسبية الحركة، فتتضح من أن ليس في العالم نقطة ثابتة كما تقدم، فالحركة الواحدة بعينها تتخذ شكلًا خاصًّا حسبما تصورتها من الأرض أو من الشمس؛ وأي نقطة أفترض نفسي موجودًا فيها تبدو دائمًا غير متحركة؛ فليس يمكن الحصول على يقين مطلق بالفرق بين الساكن والمتحرك، والمذهب القديم يفترض ما يلزم التدليل عليه، أعني أن الأرض هي النقطة الثابتة التي تقاس إليها كل حركة. وأخيرًا من نسبية الحركة تلزم نسبية الزمان، ذلك بأنه لما كان الزمان مقياس الحركة، وكانت الحركة تبدو مختلفة باختلاف الكواكب التي ننظر منها إليها، كان في العالم من الأزمنة بقدر ما فيه من كواكب. والنتيجة أن العالم لامتناهٍ، يشتمل على نظم