شمسية لا تحصى، شبيهة بنظامنا الشمسي، أي: إن النجوم شموس تحيط بها سيارات لها أقمار. فيجاوز برونو موقف كوبرنك الذي كان يتابع القدماء في تصور العالم محدودًا.
ز- إذا كان الوجود واحدًا لزم أن تتفق فيه جميع الأشياء, وهذا ما يذهب إليه برونو ببيان أن الأشياء مرتبطة أوثق ارتباط، وأن الأضداد التي تبدو للفكر المنطقي منفصلة متعارضة، هي في الحقيقة ملتصقة متدرجة بعضها إلى بعض تدرجًا غير محسوس، فتنم عن مبدأ مشترك تتحد فيه، غير أنه يميز في هذا الواحد بين العلة والمعلول: العلة هي الله أو الطبيعة الطابعة أو نفس العالم، هي المبدأ الذي يترجم عن نفسه في مختلف الموجودات دون أن يبلغ إلى كمال تحققه في صورة جزئية معينة؛ والمعلول هو العالم أو الطبيعة المطبوعة. وليس التوحيد بين الله والعالم إنكارًا لله، ولكنه تمجيد له، إذ إنه يوسع فكرة الله إلى أبعد من الحدود التي يحصرها فيها الذين يجعلون من الله موجودًا قائمًا "بجانب" الموجودات، أي: موجودا متناهيا، إن الله موجود كله في كل شيء، بل هو أكثر حضورًا في الأشياء منها في أنفسها؛ وكل شيء في الطبيعة حي، وما الموت إلا تحول الحياة. إن فساد شيء كون شيء آخر، والعكس بالعكس. فكل موجود نفس وجسم معًا؛ النفس "مونادا" حية "من اللفظ اليوناني "موناس" أي: الوحدة، وكان برونو أول من اصطنع هذا الاصطلاح، فأخذه عنه ليبنتز". وكل موجود صورة جزئية لله المونادا العظمى، أو مونادا المونادات، أو العنصر أو الحد الأدنى لأن كل شيء منتشر عنه، أو الحد الأقصى لأن كل شيء قائم فيه. والجسم أثر ما للمونادا من حركة انتشار, والفكر عودة المونادا إلى ذاتها. في هاتين الحركتين تقوم الحياة، فتدوم ما دامتا، وتنطفئ بسكونهما، لتظهر في صورة جديدة, ونفس الإنسان أعلى مظاهر الحركة الكونية. غير أن برونو عاد فأخذ بنظرية الجوهر الفرد في تفسير كون الموجودات وفسادها، فكانت هذه مرحلة ثالثة وأخيرة، لا تمحو نظرية وحدة الوجود بل تدخل فيها. فهو لم يأت بشيء جديد، اللهم إلا تلك المطابقة بين لانهائية الله ولانهائية العالم، ولو أنه رجع إلى أرسطو يتعلم منه بدل أن يتهجم عليه، وحكم العقل بدل أن ينقاد إلى الخيال، لعلم أن المادة لا يمكن أن توجد بالفعل إلى غير حد.