ج- أما المشروط أو النسبي فمدرك إدراكًا موضوعيًّا، إذ "لا يمكن أن تكون طبيعتنا كاذبة في أصلها" وإني "في أبسط إدراك أشعر بنفسي كذات مدركة, وأشعر بشيء خارجي كموضوع مدرك". فنقد كنط لعلم النفس النظري غير مقبول؛ صحيح أن الشعور شرط الظواهر الباطنة، ولكنه هو ظاهرة، فيجب أن يكون وراءه شيء, ويجب أن يكون هذا الشيء مختلفًا عما وراء الظواهر المادية, غير أن هذا يذهب فقط إلى أن الأشياء موجودة في الخارج بكيفياتها الأولية؛ أما الكيفيات الثانوية فتحدثها الأشياء فينا بقوى لها. فنحن لا ندرك الأشياء في أنفسها من حيث إننا بعيدون عنها، وإنما ندركها في تأثيرها الواقع على حواسنا: ندرك الشمس مثلا بوساطة الأشعة الواصلة إلى العين، وندرك وجود العالم الخارجي على العموم بفضل مقاومته لفعلنا العضلي. وعلى هذا يكون الإدراك مباشرًا ولكنه إدراك آثار الأشياء في الحس. وهذا موقف يختلف عن موقف ريد وعن موقف كنط وأتباعه.
د- متى كانت معرفتنا نسبية لزم أننا لا ندري شيئًا عن المطلق، بل لعلنا لا ندري إن كان موجودًا أو غير موجود. بيد أن هملتون يجد بابًا للولوج إليه فيقول: إن أي موضوع معروف فهو جزء من حيث إنه مشروط، ومن ثمة هو مردود إلى لامشروط، وهذه النسبة تخرجنا من حدود معرفتنا وتجعلنا نثبت وجود المطلق. فإذا سألنا أنفسنا: هل هو متناهٍ أو غير متناهٍ؟ وجدنا أنفسنا بين حدين متقابلين، ومبدأ الثالث المرفوع يقضي بأن أحد الحدين المتقابلين صادق بالضرورة، خلافًا لرأي كنط في المتقابلات, فما سبيلنا إلى تعيين جانب الصدق ههنا؟ لا سبيل سوى الاختيار لأن هذه المسألة تجاوز حدود الفكر، وليس يتم مثل هذا الاختيار إلا بناء على أسباب خلقية، فنقول: إننا بحاجة إلى موجود غير متناه يستطيع أن يحفظ روحنا. ثم بوسعنا أن نخطو خطوة أخرى فنتصور المطلق بالمماثلة بنا، ونتصور العلاقة بينه وبين العالم على مثال العلاقة بين أنفسنا وجسمنا. وهكذا ننتقل من الفلسفة إلى اللاهوت، فإن نهاية الفلسفة بداية اللاهوت.
هـ- وهكذا يخالف هملتون مبدأ فلسفته، فما كان أحراه أن يحتاط في المبدأ للنتيجة! فبعد أن عرف المعرفة بالنسبية ظن أن بإمكانه القول بالمطلق ووضع علاقة بينه وبين النسبي دون أن يفطن إلى أن المطلق يصير بهذه العلاقة مشروطًا نسبيًّا بموجب تعريفه! إن الرد على شلنج وأضرابه لا يحتاج إلى جعل المعرفة الإنسانية