نسبية إطلاقًا، بل إلى بيان أن ليس لدينا في الواقع مثل الحدس الذي يزعمون, وإن إثبات اللانهاية للمطلق لا يحتاج إلى ذلك الاختيار الخلقي الذي سبق به هملتون أصحاب البراجماتزم, بل يتوسل إليه بالاستدلال العقلي. فلو أن هملتون ميز منذ البداية بين "التصور بنسبة" وبين "الحكم على موضوع بأنه نسبي أو مطلق" إذن لرأى أن بإمكاننا إثبات وجود المطلق وصفاته بالاستدلال دون أن يكون للمنهج الاستدلالي أي أثر في قيمة أحكامنا؛ فإننا إن قلنا: إن العالم يقتضي علة أولى، وإن العلة الأولى مطلقة، وإن المطلق غير متناه، كانت هذه الأحكام صادقة ولم تصر العلة الأولى المطلقة شيئًا نسبيًّا بسبب دخولها في نسبة الحكم. وهذا غلط وقع فيه غير واحد من الفلاسفة المحدثين لأنهم اتخذوا من علم النفس أساسًا للفلسفة, فتصوروا الأشياء في أنفسها على مثال شعورنا بها أو منهجنا في إدراكها.
١٥٥ - منسل " ١٨٢٠ - ١٨٧٩ ":
تلميذ هملتون، وأستاذ بأكسفورد، وكبير قساوسة كنيسة سنت بول. كتابه "حدود الفكر الديني"" ١٨٥٨ " يستند إلى قول هملتون: إن معرفتنا لا تبلغ إلى المطلق ويرتب عليه امتناع إقامة لاهوت عقلي؛ ويذهب في الوقت نفسه إلى أن العلم ما دام نسبيًّا فهو لا يملك الاعتراض على الوحي؛ وإن الصعوبات والمتناقضات ليست ناشئة من الوحي, بل من حدود العقل الذي يزعم مع ذلك الخوض في المطلق على حين أن حدوده تدل على أن شيئًا قد يوجد ويكون فوق متناوله, فما لا نستطيع فهمه يجب علينا الإيمان به. يجب الإيمان بشخصية الله ولو بدا لنا تناقض بين الحدين من حيث إن الشخصية تفترض التعيين والحد, وإن الله مطلق من كل حد وتعيين. ويجب علينا الإيمان بعقيدة النعمة الإلهية وبعقيدة القصاص الأبدي ولو بدا لنا أنهما متنافران وأن المحبة والعدالة فينا تأبيان القصاص إلى الأبد. إننا نرى الجزء ولا نرى الكل، فلا يسوغ لنا أن نتصور الله بوساطة صفاتنا وأخلاقنا فإن هذه لازمة من طبيعتنا المحدودة ولا تنقل إلى الله بأي حال. وعلى هذا يكون منسل أشد استمساكًا بمبدأ النسبية من أستاذه، وهو يدلنا على أن النتيجة المنطقية لهذا المبدأ إنكار المطلق أو على الأقل تجاهله، إلا أن نكون متدينين من جهة أخرى فنعول على الإيمان الأعمى. ويرجع الاختيار بين هذين الموقفين إلى المزاج الشخصي، وما أعظم أثر المزاج الشخصي عند الفلاسفة المحدثين!