للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظاهرة ملازمة لها في تجربتي، وهذا ما يسمى شيئًا أو جسمًا؛ كذلك "الاعتقاد بوجود نفسي حتى حين لا يكون هناك إحساس, ولا يكون تفكير ولا شعور بوجودها يرجع إلى الاعتقاد بإمكان مستمر للتفكير والشعور في أحوال معينة". على أن إستوارت مل يعترف هنا بأنه لا يفسر تذكر الماضي وتوقع المستقبل؛ فإنهما يفترضان بقاء الذي يتذكر ويتوقع، إذ لا يعقل أن سلسلة الظواهر المدركة تدرك نفسها بما هي سلسلة, أي: بما هي ماض ومستقبل, وهذا عين الصواب.

وكان مل يعتقد بالأنا ويرى أن الشعور به أصيل لا يرد إلى قوانين الفكر، ويعتبر الأنا أساس الحرية والكرامة الإنسانية، فيقول: إن الموقف الأحكم هو قبول هذا الأمر الواقع ولو لم نستطع تفسيره. وهو يعارض أوجست كونت في نقده للاستبطان، ويقول بإمكان علم النفس بناء على الملاحظة بالذاكرة بعد الفعل مباشرة، ويستشهد بتجارب علماء النفس وكتاباتهم. فهو في هذه المسألة المهمة يخرج على المذهب الحسي ومع ذلك لا يخرج منه، بل إنه يعتقد أن النظر في نظام العالم يؤدي إلى الاعتقاد بوجود إله خالق محسن، ويستدرك فقط بأن النقص البادي في العالم يستتبع أن هذا الإله متناهٍ " ١٠٤، د".

ب- والمذهب الحسي مضطر إلى إنكار اللاشعور من حيث إنه لا يقر بغير الظواهر المدركة، فيصف مل اللاشعور بأنه "تغير في الأعصاب لا يصاحبه شعور" أي: إنه يسقط منه كل عنصر نفسي ويرده إلى حالة فسيولوجية. وهو من ثمة ينكر الحرية ويتهم شهادة الوجدان فيقول: إن الوجدان يعي ما أفعل أو أحس، لا ما قد أفعل أو أستطيع أن أفعل؛ الوجدان واقع على الموجود لا على الممكن المستقبل؛ هو واقع على ما بالفعل لا على ما بالقوة. فليس هناك شعور باستطاعتي أن أفعل كذا وكذا، وإنما هناك وهم ناشئ من أن أفعالًا صدرت عني في الماضي فأصبحت أعتقد بإمكان صدور أفعال من قبيلها. ومع ذلك فقد كان مل يؤمن بالحرية ويدافع عنها، وحجته في ذلك أن التعاقب المضطرد للظواهر النفسية لا يعني أن السابق يعين اللاحق حتمًا، وإذا كنا لا نشعر بالحرية "فإننا موقنون أن أفعالنا الإرادية ليست خاضعة للقسر, ونحن نشعر بأننا غير مجبرين" فنحن قادرون على أن نعمل على استكمالنا الخلقي. ومن اليسير أن نرد على مل بأن عدم الشعور بالقسر لا يدل على انتفاء القسر، فقد نكون مجبرين

<<  <   >  >>