ثم لا نشعر بأننا مجبرون, وهذا مثال آخر على تناقض مل ١.
١٥٩ - المنطق:
أ- في مثل هذا المذهب كيف يكون المنطق؟ يكون تشويهًا للمنطق الصحيح وتبديدًا له. ويبين هذا من استعراض المسائل الرئيسية. وأولا موضوع المنطق، ففي هذه المسألة يأخذ مل على كنط وهملتون تعريفهما المنطق بأنه علم اللزوم "أي: لزوم التالي من المقدم" وأنه علم صوري يتناول شروط مطابقة الفكر لنفسه ويتجاهل صدق القضايا وكذبها. فيأبى مل التسليم بمنطق صوري بحجة أن الفكر لا يكون صحيحًا حقًّا إذا هو غض النظر عن مادة المعرفة. ولكن ما الذي يمنع من اعتبار شروط مطابقة الفكر لنفسه؟ لعل المانع أن هذا الاعتبار يفترض وجود الفكر مستقلا عن الموضوعات، وهذا ما لا يطيقه المذهب الحسي. وفضلا عن ذلك لو سلمنا بأن المنطق يعنى بصدق القضايا وكذبها، لتبدد المنطق باعتباره علمًا خاصًّا وبقيت فقط العلوم على اختلافها. على أن مل، إذا ما عالج المسألة في كتاب المنطق، اعترف بأن المنطق لا يعنى بالحقائق المدركة إدراكًا مباشرًا في التجربة, وقال: إنه "علم التدليل" وإن المنطق الصوري قسم مرءوس من المنطق العام أو "منطق الحقيقة"؛ وهو مرءوس لأن الأصل عنده إدراك المحسوس وإن إدراك المجرد لاحق. ولكن هذا اعتبار لكيفية إدراكنا لا للموضوعات المدركة وتفاوتها في التجريد وترتبها من ثمة بحسب هذا التفاوت من الأعم إلى الأخص، ولو أنه روى في الأمر لرأى أن "منطق الحقيقة" لا يعنى بحقيقة القضايا في العلوم، بل بالشروط الصورية للمعرفة بالإجمال "وهذا موضوع المنطق الصوري" ولكل علم بالتفصيل "وهذا موضوع المنطق المادي". فالتردد "أو التناقض" واضح هنا بين مقتضى المذهب الحسي وبين مقتضى المنطق كما هو قائم بالفعل.
ب- كيف يتصور مل أفعال العقل وأية قيمة يضيف إليها؟ إنه يتابع المذهب الحسي فينكر وجود المعنى المجرد في الذهن, ويردد أقوال الحسيين في استحالة تصور ماهية خالصة، كتصور إنسان لا بالكبير ولا بالصغير،
١ في هذه المسائل يرجع خاصة إلى كتابه "مراجعة فلسفة هملتون" وإلى المقالة السادسة من كتابه "المنطق" وهي المخصصة للعلوم الأدبية.