ضده. وقد فاته أن المحمول في الحكم الواقعي هو في حقيقة الأمر معنى مجرد، ويتضح هذا غاية الوضوح باعتبار الحكم السالب مثل قولنا: ليس هذا الحائط أبيض، فإن البياض ههنا لم يدرك مع إدراك الحائط، ولكنه معنى محفوظ في الذهن يوجب تارة ويسلب أخرى. كذلك فاته أن الضرورة في الأحكام العلمية والفلسفية ليست كضرورة الترابط بالتشابه والتضاد والاقتران، ولكنها نسبة جوهرية بين الموضوع والمحمول يدركها العقل ويقصد إليها. فتفسيره للحكم تفسير للمعقول بالمحسوس, فلا غرابة أن يجيء قاصرًا. وسيزداد هذا الأمر بيانًا عند الكلام على الاستقراء.
د- ونقده للقياس مشهور، فهو يزعم أن القياس مصادرة على المطلوب الأول؛ لأننا حين نقول:"كل الناس ميتون، والدوق أوف ولنجتون إنسان، فالدوق أوف ولنجتون ميت" نفترض النتيجة في المقدمة الكبرى الحاكمة على "كل الناس" ولا يسوغ افتراضها وهي المطلوب, فإنها إما أن تكون معلومة قبل الكبرى وحينئذ فلا فائدة من تركيب القياس وتركيبه عمل صناعي بحت؛ وإما أن تكون مجهولة، وحينئذ يستحيل صوغ الكبرى لاستحالة التحقق من موت كل الناس إلا بالتحقق من موت كل فرد من الناس. فليس القياس استنتاج الجزئي من الكلي، ولا الكلي من الجزئي، ولكن استنتاج الجزئي من الجزئي، أي: استنتاج حالة معينة من حالة أخرى شبيهة بها؛ فحين نريد أن ندلل على أن الدوق أوف ولنجتون ميت، لا نفكر في كل الناس، وإنما نفكر فقط في الذين ماتوا قبله ونتخذ منهم مقدمة جزئية، وحينئذ لا يكون الاستدلال مصادرة من حيث إن الدوق غير متضمن فيها. فالقياس عبارة عن استقراء وليست النتيجة فيه "مستنبطة" من الكبرى ولكنها مكتسبة "وفقًا" للكبرى، ولو أن مل أنعم النظر لوجد أن القياس شيء مختلف عن هذا الاستنتاج بالمشابهة والمماثلة. وقد رددنا على مزاعمه في سياق عرضنا لمنطق أرسطو ""تاريخ الفلسفة اليونانية" الطبعة الثانية ص ١٢٣ ".
هـ- إذا لم يكن هناك سوى الاستدلال بالجزئي على الجزئي، فما القول في الاستقراء العلمي وهو استدلال بالجزئي على الكلي، أي: وضع قانون بسبب ما يشاهد في بعض الجزئيات؟ يجيب مل أننا نتعلم بالتجربة أن في الطبيعة نظام تعاقب لا يتغير، وأن كل ظاهرة فهي مسبوقة بأخرى، فندعو السابق المطرد علة،