جهة والتنوع من جهة أخرى؟ أو ما السبب في بقاء أنواع النبات والحيوان وفي نمو الخصائص المفيدة لها؟ فخطر له فرض مؤقت هو تطور هذه الأنواع. ولما عاد إلى إنجلترا قرأ " ١٨٣٨ " كتاب ملثوس Malthus في مسألة السكان " ١٧٩٨ " ١ ففكر أن لا بد أن يكون السبب تنازع الحيوان على القوت، وأن الحياة "صراع في سبيل البقاء". وكان قد عني بتجارب مربي الحيوان ورآهم يحصلون على أصناف جديدة بالمزاوجة بين الأفراد الذين يلاحظون فيها تغيرات ضئيلة ملائمة، فقدر أن الأفراد الذين يكتسبون وظيفة أو عضوًا ملائمًا لظروف حياتهم أقدر على الصراع من العاطلين من تلك الوظيفة أو ذلك العضو، فيحسن الأولون نوعهم وينقرض الآخرون. فهناك إذن "انتخاب طبيعي" يشبه الانتخاب الصناعي إلا أنه خلو من القصد والنظام، فلا يدل على علة التغير بل على أثره ونتيجته. ثم قدر أن القرابة بين الأنواع المندثرة والأنواع الباقية تفسر بأن هذه صور عليا من تلك.
ب- فانتهى دروين إلى أن الأنواع الحالية على اختلافها يمكن أن تفسر بأصل واحد أو ببضعة أصول تمت وتكاثرت وتنوعت في زمن مديد بمقتضى قانون الانتخاب الطبيعي أو بقاء الأصلح وهو القانون اللازم من تنازع البقاء، وقوانين ثلاثة ثانوية هي: أولًا قانون الملاءمة بين الحي والبيئة الخارجية؛ ثانيًا قانون استعمال الأعضاء أو عدم استعمالها تحت تأثير البيئة أيضًا بحيث تنمو الأعضاء أو تضمر أو تظهر أعضاء جديدة تبعًا للحاجة؛ وثالثًا قانون الوراثة وهو يقضي بأن الاختلافات المكتسبة تنتقل إلى الذرية على ما يشاهد في الانتخاب الصناعي. فالنظرية الدروينية آلية بحت تستبعد كل غائية ولا تدع للكائن الحي قسطًا ما من التلقائية كالذي تدعه له نظرية لامارك، بل تعتمد على
١ ملثوس اقتصادي إنجليزي معروف " ١٧٦٦ - ١٨٣٤ ". يذهب في كتابه إلى أن السكان، حين لا يعوق تكاثرهم عائق، يتضاعف عددهم في كل ربع قرن، فيزيد من فترة إلى أخرى بنسبة هندسية، في حين أن أسباب المعيشة لا تزيد إلا بنسبة حسابية. ولكن الرذيلة والفاقة والحرب والهجرة، مظاهر قانون طبيعي يرمي إلى تقليل عدد السكان للمعادلة بينهم وبين أسباب المعاش. على أن هذه الآفات يبطل فعلها حالما تزداد أسباب المعاش، فتكون النتيجة أن الفقر ضرورة لا يتغلب عليها قانون إعانة الفقراء "في إنجلترا" من حيث إن هذا القانون يعمل على تزايد السكان دون زيادة أسباب المعاش، فعلى الأهلين أن يعملوا على الحد من النسل بالعفاف.