للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عظمة الطبيعة المادية فحسب, فتفوتنا الأخلاق ويفوتنا الدين. هذا فضلا عن ضآلة الدين عنده, وعن نقص فلسفته الأخلاقية كما سنرى.

١٦٧ - تكوين العالم:

أ- قانون التطور يقضي بأن كل شيء يبدأ ظاهرة بسيطة, فتلتئم حولها بالضرورة ظواهر أخرى فتركب كلا أعقد فأعقد. والطبيعة مادة وحركة، وما الحياة وما الشعور على اختلاف صوره إلا تعقد المادة والحركة، أي: مجرد أثر الطبيعة في أجزاء من المادة. فهيئة العالم تفسر بنظرية لابلاس أو ما يشابهها, ونشوء الحياة يفسر بتفاعل القوى الكيميائية, وتفسر الأنواع الحية بتطور الأصول الأولى المتجانسة بفعل البيئة، وسبنسر يفيد هنا كثيرًا ببحوث دروين ويستشهد بها, ويحلل الإحساس إلى "صدمات" عصبية أولية يقابل كل منها اهتزازًا من الاهتزازات التي يحلل إليها العلم الحديث الكيفيات المحسوسة. وبذا يحصل على "مادة شعورية" تتكامل بتأليف الصدمات بعضها مع بعض. وبتأليف هذه التأليفات بواسطة قوانين التداعي يحصل على الصور الخيالية والمعاني المجردة والأحكام والاستدلالات والأخلاق والاجتماع، على ما سبق لنا بيانه عن الحسيين مرارًا كثيرة, بحيث يرجع ترقي الفكر إلى ترقي الجهاز العصبي وملاءمة تدريجية بين الكائن الحي وبيئته، ويرجع التطور إلى علاقات بين الظواهر الخارجية يقابلها علاقات بين الأجزاء العصبية يقابلها علاقات بين الظواهر الوجدانية. على أن هذا لا يعني إدراكاتنا شبيهة بالأشياء, بل يعني فقط أنها علامات على الأشياء وأن النسب القائمة بينها يقابلها نسب في الخارج, فسبنسر يأخذ بالتصورية ثم يصححها بنوع من الوجودية، وهو يفضل الوجودية على التصورية لسببين: الأول سلبي وهو أن هذه تعتمد على تلك، فنحن نؤمن عفوًا بوجود الأشياء ولا نحاول أن نبين أن الصوت مثلا مجرد حالة ذاتية حتى نتحدث عن اهتزازات الجرس التي تنتقل إلى الأذن, والتي تفعل كذا وكذا في أعضائها كأن كل هذه موجودات. والسبب الثاني إيجابي وهو أن ما مر بنا من نسبية موضوعات العلوم يقتضي شيئًا مطلقًا تكون هي مطاهره.

ب- وتتأيد نظرية التطور إذا لاحظنا أن التجربة والعلم لا يفسران باكتساب

<<  <   >  >>