ولقد عالج سبنسر مسألة الإحسان، وبخاصة الإحسان المنظم من الدولة، فكان موقفه فيها موقف الأنانية القاسية, قال: إن الإحسان معارض للقانون الطبيعي الذي يقضي ببقاء الأصلح، ومؤدٍّ إلى انحطاط النوع الإنساني بالتدريج, إذ إنه يعارض على تكاثر أقل الأفراد مواهب على حساب أكثرهم مواهب، وإن الفريق النشيط من الأهلين يدفع جزية ثقيلة لفريق عديم النفع هم الشيوخ والمرضى والمجانين، وإن تقدم الأقوياء وسقوط الضعفاء نتيجة ضرورية لقانون كل مستنير نافع، وإن الدولة إذ تحاول وقف هذا القانون الحكيم بدافع من حب للإنسانية زائف، تزيد في مقدار الألم بدل أن تنقص منه ١. هذا كلام قاسٍ يتضح مه جليا أن سبنسر لا ينظر إلى الإنسان إلا كما ننظر إلى الحيوان، ولا يفهم من الغيرية إلا أنها تبادل المنفعة. ويزيد في قسوته أن كثيرين من "الضعفاء" هم ضحايا لفساد المجتمع, فهم مظلومون يتعين على المجتمع تخفيف الظلم عنهم. وما قيمة "الجزية" بالقياس إلى ازدياد الغيرية الحقة التي يراها سبنسر غاية التطور الإنساني، وبالقياس إلى احترام الكرامة الإنسانية في هؤلاء الضعفاء، وهذا الاحترام كسب خلقي من غير شك, ولكن المذهب المادي لا يعرف الخلقية، وسبنسر ينطق عنه بأفصح بيان. وقد بذل مجهودًا عظيمًا في شرحه وتأييده، فراح مجهوده عبثًا, وكان هو آخر رجال هذا المذهب في بلده.
١٦٩ - توماس هكسلي " ١٨٢٥ - ١٨٩٥ ":
من أشهر القائلين بنظرية التطور وأكثرهم ضجيجًا ومهاترة. طبق هذه النظرية على الإنسان قبل دروين في كتابه "مكان الإنسان في الطبيعة"" ١٨٦٣ " وله كتاب عن "هيوم، حياته وفلسفته" وله "محاولات" مختلفة " ١٨٩٤ ". هو واقعي يرى أن المادية والروحية خطأ على السواء؛ لأنهما تفترضان أننا نعلم حقيقة الأشياء ونحن لا نعلمها. ويقال: إنه هو الذي وضع لفظ agnosticism " لاأدرية" للدلالة على هذا الموقف, فاصطنع سبنسر هذا اللفظ. وهو واضع لفظ Bathydius, ذلك أن بعضهم اعتقد أنه اكتشف في قاع البحر مادة هلامية هي حلقة الانتقال من عالم الجماد إلى عالم الحياة، ونظر فيها هكسلي فاعتقد