ز- وإذا سلمنا أن الإنسان شخص، وأن الشخص موجود خلقي كما يريد رنوفيي، فكيف تكون أخلاق الإنسان؟ يريد رنوفيي أيضًا أن تقوم الأخلاق علمًا مستقلًّا بذاته لا يستند إلى الدين أو إلى الميتافيزيقا. والسبيل إلى ذلك في رأيه أن نبدأ بفكرة الإنسان باعتباره "موجودًا حاصلًا على العقل ومعتقدًا نفسه حرًّا". هذا الموجود يعلم بالتجربة أن له غايات رئيسية وأخرى ثانوية, غايات بعيدة وأخرى قريبة، خيرات زائلة وأخرى دائمة، خيرات يعرضها العقل وأخرى تدفع إليها الشهوة؛ فيحكم أن غايات معينة هي الأفضل على كل حال. وهذا هو الحكم التركيبي الأساسي الذي يتحقق فيه معنى الواجب، أي: كلما رأى العقل غاية "واجبة" التحقق بموجب قوانينه، رآها في الوقت نفسه "واجبة" الطلب بالإرادة, وحينئذ تنشأ واجبات الإنسان نحو نفسه. فإذا تصورناه في علاقة مع الطبيعة نشأ واجب احترام كل ما يتصف بالنظام والعقل. وإذا تصورناه في علاقة مع الحيوان، ثم مع إخوانه في الإنسانية نشأ واجب العدالة، ونشأت مع العدالة معاني الكرامة والاحترام والحقوق والواجبات. وهكذا يتم علم الأخلاق العقلي, ولكن رنوفيي لا يسوغ الانتقال من الوجوب العقلي إلى إلزام الإرادة، ونحن هنا بين حدين متباينين. إن هذا الانتقال لا يسوغ إلا بالتدليل على أن الوجوب العقلي يريده إلزامًا للإرادة مشرع هو خالق العقل والإرادة.
وهذا التسويغ، وتسويغ تعريف الإنسان بأنه موجود عاقل حر خلافًا للمذهب الحسي مثلًا، يرجعان إلى الميتافيزيقا؛ فعلم الأخلاق علم تابع وليس علمًا مستقلًّا. وفلسفة رنوفيي في جملتها قائمة على التصورية وما تستتبعه من نسبية أو شك, وعلى خلط بين اللانهاية التي تعني عدم التعيين، واللانهاية التي تعني كمال الوجود بالفعل. وتشخيص الأولى تناقض، وتشخيص الثانية يحتمه معنى العلة الأولى الذي يحتمه النظر في الوجود, كما أوضحنا غير مرة وسنضطر إلى إيضاحه غير مرة، إذ إن هذا الخلط شائع.