نسبة، ولكنه يتميز من سائر النسب بأنه نسبة بين الأنا كذات والأنا كموضوع, أي: نسبة بين حدين هما شيء واحد. وهكذا كان الشعور أساس سائر النسب إذ إنها لا تتضح إلا بردها إلى هذه النسبة الرئيسية. وإذا أريد تجاوز الظواهر فليس يمكن ذلك إلا بمسلمات دينية، بشرط ألا تتعارض ومبدأ النسبية بقبول فكرة إله لامتناهٍ. ورنوفيي يوافق هيوم على استحالة البرهنة على موضوعية علاقة العلية والخروج بوساطتها من دائرة التجربة, ويفترق عنه بقوله: إن مقولة العلة مرتبطة بطبيعة شعورنا كما تقدم، وبقوله: إن الإرادة هي أساس هذه المقولة في الشعور، أي: إن معنى الإرادة هو الذي يجعل معنى العلة مفهومًا فلا يرد إلى معنى أسبق منه, بل يجب أن يقف عنده الفكر بموجب قانون النسبية. ولكنا نسأل: هل الحد الذي يحتم علينا هذا القانون الوقوف عنده هو حد أول بذاته، أو هو أول بالإضافة إلينا؟ في الحالة الأولى نصل إلى المطلق ويصبح قانون النسبية نسبيا مع أنه في طبيعة شعورنا؛ وفي الحالة الثانية لا يسوغ لنا كذلك اعتباره أول والوقوف عنده, فلا محيص عن التناقض. إن المنطق يقضي أن يقودنا قانون النسبية إلى اللانهاية التي يأباها رنوفيي كل الإباء فيقول بحق: إن التسلسل لا يوفر لنا أي تفسير.
وبناء على هذه الأركان الثلاثة, ما مكان الإنسان في العالم؟ هناك نظريتان: إحداهما تخضع الشخص "للشيء" أي: للموضوع الذي لا شخصية له، والأخرى تتصور الأشياء بالمماثلة مع الشخص. التصويرية تحسم الخلاف وتنحاز إلى النظرية الثانية؛ إذ مهما يكن من تسلط الموضوع على العقل فإن العقل يدرك أن الموضوع موضوعه هو وليس مباينًا له. فالعقل متقدم على الموضوع تقدمًا منطقيًّا, ونحن لا نعقل العالم إلا بتأويله تبعا لتجربتنا الباطنة وبالمماثلة معها فنعود إلى الموقف الأول للإنسان حين كان يشخص قوى الطبيعة، ولكننا نستخدم الفلسفة ولا نجري مع الخيال والأسطورة، فنتصور الأشياء مونادات كما ذكرنا. ولكن المونادا عند رنوفيي جملة علاقات كما سبق القول، فكيف تكون شخصيا؟ نرى ههنا التعارض بين النسبية وبين النزعة الشخصية: الأولى لازمة من الفلسفة الحديثة، والثانية لازمة من "الإرادة" التي يؤكدها العصر الحديث ويبالغ في توكيدها.