وإذا كان معارضًا لماهية الإنسان كانت القوة تمردًا أحمق. ولو أن نيتشي دقق في تحليله لأدرك جمال الحلم والوداعة، وأنهما عبارة عن المضي مع طبيعة الإنسان العاقلة إلى النهاية، بل لأدرك أنهما يتطلبان من القوة أكثر مما يبذل في الغضب والقسوة. فإن القسوة والغضب انقياد للغريزة الحيوانية الجامحة، على حين أن كظم الغيظ أصعب من إعلانه وأن الصفح أصعب من الانتقام. وهذا هو الخلاف الدائم بين الحسية والعقلية، بين مذهب لا يرى في الإنسان سوى أنه حيوان راقٍ فيأخذ بأخلاق الوثنية القائمة على اعتبار القوة والمقسمة البشر إلى قوي وضعيف، وبين مذهب يلحظ روحانية الإنسان قبل حيوانيته, فيرسم له أخلاق العدالة والمحبة. فلم يأت نيتشي بشيء جديد من الوجهة الفلسفية، وكل الجديد عنده ذلك الضجيج الذي يقال له أدب.
١٩٧ - حاشية في الفلسفة الإيطالية:
أ- لم نخصص للفلسفة الإيطالية مقالة أو فصلًا؛ لأنها في الحق لا تعدو أن تكون صدى لفلسفات معروفة. ففي أوائل القرن ساد في إيطاليا ضرب من التخير يجمع بين لوك وجساندي من جهة وبين ديكارت وكنط من جهة أخرى. ثم برزت معارضة ضعيفة من جانب روما نيوزي " ١٧٦١ - ١٨٣٥ " الذي حاول أن يتخذ لنفسه موقفًا وسطًا بين الجنسية والتصورية، ومن جانب جالوبي " ١٧٧٠ - ١٨٤٦ " الذي يتخذ من "الأنا" أساسًا للموضوعية ويزعم أنه يلطف تصورية كنط ويصححها.
ب- ثم ظهرت طائفة من أتباع مالبرانش دعوا بالوجوديين ontologistes أشهرهم روسميني " ١٧٩٧ - ١٨٥٥ " يذهب إلى أن معنى الوجود حاصل بالطبع في كل إنسان، وأنه يحقق على أرفع وجه خصائص المعنى المجرد التي هي الكلية واللانهاية والضرورة والدوام، وأن هذه الخصائص تمنع من الاعتقاد بأن المعاني المجردة تفسر بالإحساس ليس غير، وتحمل على الصعود إلى موجود حاصل بالذات على هذه الخصائص, وهو الله، فمعنى الوجود صورة الله في النفس. ويذكر في هذه الطائفة أيضا جيوبرتي " ١٨٠١ - ١٨٥٢ ".