بالطبع لخيرنا، وكذلك المراكز الدماغية العليا في مجاوبتها على التأثيرات. ولا شك أن جيمس بهذا الموقف قلب علم النفس رأسا على عقب، وشق الطريق إلى مذاهب فلسفية "حيوية" منها مذهبه هو الذي سنعرضه. على أن هذا الموقف لم يمنعه من اعتبار الانفعال النفسي "كالخوف والغضب والسرور والحزن وما إليها" مجرد الإحساس بالحالة الفسيولوجية الناشئة عن إدراك الموضوع، وبينما يعتقد الذوق العام أننا إذ نرى الذئب نخاف فنهرب، يقول جيمس: إننا إذ نرى الذئب نهرب فنخاف ويستشهد على ذلك بأننا نوجد الانفعال بإيجاد الحالة الفسيولوجية، ونلطف الانفعال أو نزيله بالسيطرة على الحالة الفسيولوجية. وهذا صحيح ولكنه لا يؤيد النظرية، فإن إرادة الإيجاد والسيطرة فعل نفسي, وإذا كان للحالة الفسيولوجية دخل كبير في الانفعال النفسي فإن هذا الانفعال ظاهرة قائمة بذاتها، ولولا ذلك لكانت الحركة الفسيولوجية غير مفهومة, إذ إن الانفعال النفسي هو الذي يبعثها. ولقد كان أرسطو أصدق تحليلا للانفعال حين قال: إنه ظاهرة واحدة نفسية وفسيولوجية معًا تنبعث تارة من جانب النفس, وطورًا من جانب الجسم المتحدين اتحادا جوهريا.
د- أما البراجماتزم فمذهب يضع "العمل" مبدأ مطلقًا، وإن كانت هذه الكلمة قديمة ومستعملة بمعان مختلفة, إلا أن المعنى المعروف لها الآن ورد في مقال مشهور للفيلسوف الأمريكي تشارلس ساندرر بيرس " ١٨٣٩ - ١٩١٤ " ١ بعنوان "كيف نوضح أفكارنا"" ١٨٧٨ " حيث يذكر القاعدة الآتية للتحقق من دلالة المعاني التي نستخدمها فيقول: "إن تصورنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر". وهذا يعني أن علامة الحقيقة أو معيارها العلم المنتج لا الحكم العقلي، وأن العمل مبدأ مطلق كما قلنا، بحيث يلزم من ذلك أنه حر كل الحرية وأن لا شيء يعترضه، سواء العمل المادي والخلقي والعقلي أو التصور، فيلزم أن العالم مرن نستطيع التأثير فيه
١ تخرج في جامعة هارفارد " ١٨٦٢ , ١٨٦٣ " وعلم فيها وقتا قصيرا. نشر "دراسات في المنطق" " ١٨٨٣ " ومقالات كثيرة جمعت ونشرت بعد وفاته, ونشر معها كتاب عنوانه "المنطق الكبير" كان الكتاب الوحيد الذي أتمه. تأثر بكنط مع افتراقه عنه في حلول المسائل, وتأثر بدروين وكان قد وصل من جهته إلى مثل آرائه, وأخذ بقسط كبير من العلم التجريبي فاكتسب دقة في التدليل ظاهرة في جميع كتاباته، وعني عناية خاصة ببيان موضوعية العلم ومنهجه. كان تأثيره عميقا في الفلاسفة الأمريكيين الثلاثة المذكورين في هذا الفصل.