وتشكيله، وأن تصوراتنا فروض أو وسائل لهذا التأثير والتشكيل. والمذهب العملي يقوم على هذا الأساس، ويعتمد على التجربة الوجدانية الخالصة ويقتصر عليها. وهذه هي التجريبية البحتة: radical empiricism وتبدو التجربة الوجدانية متنوعة متغيرة، فهو مذهب "كثري" pluralistic يتصور "الكون متكثرًا" فيعارض الأحادية والجبرية، ويدع مستقبل العالم معلقًا يحتمل إمكانيات عدة يتوقف تحقيقها على فعل الكائنات التي تقرر مصيره، وبناء على هذه المقدمات يعرض وليم جيمس البراجماتزم على أنه نظرية في ماهية الحقيقة, ومنهج لحسم الخلافات الفلسفية.
هـ- الحقيقة على نوعين؛ لأن موضوع التصور إما أن يكون شيئًا خارجيًّا أو منهاجًا عمليًّا لإرضاء حاجة نفسية؛ ففي الحالة الأولى "الفكرة الحقة عن موضوع ما هي التي تحدونا إلى إتيان أفعال تقودنا إلى ذلك الموضوع"؛ وفي الحالة الثانية "القضية الحقة هي التي يستتبع تسليمها نتائج مرضية" أي: محققة لمطالبنا. ففي الحالتين ليست الحقيقة تصورًا مطابقًا لشيء كما يعتقد عامة الناس، ولكنها التصور الذي يؤدي بنا إلى الإحساس بشيء أو إلى تحقيق غرض، وفي الحالتين الخطأ هو الإخفاق. وبعبارة أخرى الحقيقة هي التصور الذي نسيغه ونحققه فنجعله صادقًا بتصديقنا إياه. فهي ليست خاصية ملازمة للتصور كما يعتقدون, ولكنها "حادث" يعرض للتصور فيجعله حقيقيا أو يكسبه حقيقة بالعمل الذي يحققه؛ أو "على حد قول برجسون في مقدمة الترجمة الفرنسية لكتاب "البراجماتزم"""الحقيقة اختراع "شيء جديد" لا اكتشاف "شيء سبق وجوده". وليس يعني هذا أنها تحكم وتعسف، بل يعني أنه كما أن الاختراع الصناعي إنما يتقدم بفضل فائدته العملية فقط، كذلك القضية الصادقة هي التي تزيد في سلطاننا على الأشياء. ونحن نخترع الحقائق لنستفيد من الوجود كما تخترع الأجهزة الصناعية لنستخدم القوى الطبيعية". فالقضايا المنطقية والرياضية والطبيعية، والمعاني المجردة كالجوهر والعلة والجنس والنوع والزمان والمكان وما إليها، مخترعات نافعة ووسائل مفيدة في تصور الأشياء واستخدامها. "فمثلًا: دوران الأرض لا يستند على تجربة بمعنى الكلمة، ولكنه فرض مفيد في تصور الظواهر، وهو أكثر فائدة من فرض دوران الشمس.